الرئيسيةالراي

رأي- من ضحية إلى جلاد 2

* كتب/ محمد أبوفلغة،

مع مرور الوقت والأحداث، يخلق الفرد -كما تخلق الجماعة- لنفسه هوية جديدة بناءً على مظلوميته.

يرى الفرد ويُعرّف نفسه على أنه “المظلوم” وتصبح له هوية مرتكزة على هذا الشعار. الهوية تفصلنا وتميزنا عن الآخر فهي ترتكز على ما نختلف فيه عن هذا الآخر. ومن هنا تبرز مشكلة الهوية المظلوماتية. إذا عرّف المرء نفسه على أنه “المظلوم”، فلا بد أن الآخر غير مظلوم، بل ظالم أو ساكت عن الظلم في أحسن الأحوال. وكما قال محمود درويش: “لا ضحية تقتل الأخرى، هنالك في الحكاية قاتل وضحية”.

ويمكن أن نختصر هذه النقطة بالقول: “أنا المظلوم وغيري الظالم”. وهذه هي الطبقة الثانية من المظلومية. بناءً على الهوية المظلوماتية التي تنص على أن الفرد مظلوم وغيره ظالم، يظهر تعريف آخر للفرد -كما للجماعة- على أنه نقيض الآخر الظالم بكل ما يمثله من ظلم وشرور، فالفرد المتشبع بالمظلومية بالتالي هو الخير “المطلق”، هكذا يرى نفسه على الأقل. وما دمنا نقيض الآخر فلا يمكن أن نتسم بأي سمة من سماته، فلا يمكن بالتالي أن نكون الشر.

بكلمات أخرى، يُصبح المرء عاجزاً –في نظر نفسه– عن ارتكاب الشرور والظلم. طالما الشر هو سمة الآخر، فلا يمكن أن يكون ما أقوم به ظلم (حتى وإن كان في حقيقته ظلم). فيعجز بالتالي المرء عن رؤية الظلم فيما يرتكبه. ويمكن أن نختصر هذه النقطة بالقول “أنا ضحية الظلم فلا يمكن أن يُسمى ما أقوم به ظلم”. وهذه هي الطبقة الثالثة من المظلومية.

يحدث بناء هذه السردية عند الفرد بسبب تقوقعه وانكفائه على نفسه (كآلية دفاع أولية ضد الظلم) وعجزه عن الخروج عن ذاته والنظر للمشهد من وجهة نظر الآخر أو من وجهة نظر أكثر شمولية.

محاولة دفع المرء للتفكير في احتمالية شر ما يقوم به هي محاولة –في نظر الفرد نفسه– لتسويته بالآخر الظالم، فهي بالتالي محاولة لنسف هويته والتقليل من مظلوميته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى