* كتب/ عاطف الأطرش،
سأبدأ ردي على عتاب ولوم صديقي وأخي محمد سحيم بإحدى قصص التراث العالمي… التي تقول إنه في كل شخص ما تدور معركة رهيبة… هي أشبه بمعركة بين ذئبين… أحد الذئاب يمثل الشر… والآخر يمثل الخير… وتنتهي القصة بالسؤال اليتيم: في النهاية أي ذئب ينتصر؟! لتلحقه الإجابة أنه دائماً ينتصر ذلك الذئب… الذي يطعمه ويغذيه هذا الشخص…
ومن بين الشرور التي أطعمها وأغذيها هو الشعور بالغضب… شعور يلازمني منذ الصغر… نتيجة تنمر أقراني من عرب وأجانب على شخصي نتيجة لحملي الجنسية الليبية… والتي وقتها كانت سمعة بلادي صحبة قائدها في الحضيض… ولم يكن يخفى على أحد ذلك… كبر هذا الشعور لأني أدرك أني عشت في كنف مجتمعات أقل منا ثقافة… أقل منا ثروة… أدنى منا تاريخاً… لكنها امتلكت كل شيء… وأدرك في ذات اللحظة… أنني انتمي لبلاد حباها الله بكل شي… كل شيء بما تعنيه الكلمة… لكنها لا تملك أي شيء… رغم امتلاكها للثروة… للثقافة… للتاريخ!!
كان واقعاً محزناً ومخزياً… وكنت أشعر بأنني صاحب هذا العار وكأنني فاعله… رغم عدم صوابية هذه الفكرة… لكنها ظلت تلازمني هذه العقدة حتى هذه اللحظة: لماذا نحن هكذا رغم كل تلك النعم؟!
انتظرت… عدت… صبرت… جاهرت بخصومتي للنظام الحاكم… طيلة سنوات الدراسة والعمل الصحفي… وحتى من رافقوني في تلك المراحل يتذكرون مواقفي… وظل شعور الغضب يتراكم حتى فقد قلمي صوابه في الكثير من كتاباتي… فالغضب يصاحبه نوع من الجنون المؤقت بطبيعة الحال!!
حتى حانت لحظة التغيير التي حلمت بها… ومن ثم تم اعتقالي… ليبادرني ذات المحقق الجماهيري الأخضر بسؤاله العبيط: “شن زرك وخلاك تطلع وانت بحوشك وسيارتك ومتزوز بعيالك وتشتغل في أكثر من مكان وواجدين في عيلتك حاكمين في الدولة؟”… أجبته ببساطة: أني غاضب… أشعر بالغضب لأننا نملك كل شيء… ولا يوجد لدينا شيء… لدينا كل مقومات بناء الدولة بكل ما تعنيه الكلمة… ولازلنا نفتقد لتلك الدولة ولا نجدها… هنا لم تشف هذه الإجابة غليله ليأمر بترحيلي لطرابلس لاستكمال سياحتي الداخلية هناك بطريقتهم الخاصة…
الكلام يطول حول ما حدث… ولأنتقل إلى لحظة انقشاع غبار المعركة… حيث انتصر المنتصرون الذين كنت أحسبهم مثلنا في الحُلم والخُلق… وانهزم المنهزمون الذين كنت أحسب أنهم لن يعودوا بذات الهيئة والفكرة… واصطدمت وصدمت بالعديد ممن كنت أظنهم مناضلين ورفاق… ليتبين لي في العديد من المحكات أنهم ليسوا أقل سفالة وانحطاطا ممن كنا نقاومهم سابقاً… تنامى شعور الغضب من جديد… وكنت أمهل غضبي بالكثير من الوعود بأن الأمور ستتحسن… ستتغير للأفضل… وأن ما يحدث هو مجرد كابوس سينجلي قريباً… وكل خصومة سياسية أواجهها بالحلم والتروي… واستوعب الموقف واحتويه بالحوار والنقاش والمفاوضة… وهذا كله وأنا لا أملك أي سلطة حقيقية على أي كان… بل وأنظر لأي مختلف عني سياسياً مهما بدا اختلافه كخصم أواجهه الحجة بالحجة… وليس كعدو أرغب بانتزاع أحشائه ودفنه حياً!!
وما دعاني للدعوة لاستخدام كواتم الصوت ضد المتصدرين للمشهد البائس… هو أنه لم تعد تجدي أي حلول سلمية معهم… لا حوار… لا مظاهرات… لا بيانات… لا احتجاجات… بل تعدى الأمر أنهم صاروا يفخرون بعمالتهم… وخياناتهم… وفسادهم… وجرائمهم بكل اقتدار… وأصبح مشروع التغيير والإصلاح في ظل وجودهم قضية ستواجه بالعنف والقوة كما جاء على لسان أحد التافهين منهم مؤخراً في اعتراف وقح بجرائمهم متكاملة الأركان… هنا حدثت نقطة التحول… هنا أحسست أن هؤلاء لم يعودوا خصوماً حتى أجالسهم… بل أعداء خطيرين لابد من التخلص منهم بأي طريقة… لأنني شعرت أن مستقبلنا جميعاً ومستقبل أبنائنا سيضيع باستمرار هؤلاء في السلطة… شعرت أنه تم اغتصاب أحلامنا وطموحاتنا… واستباحوا كرامتنا وكبرياءنا…
لذلك لا يستوي هؤلاء مع من اختلف معهم فكرياً… أو في وجهات نظرهم… بل وسأقف في صفهم دفاعاً عنهم كما فعلت سابقاً… لكن هؤلاء يا صديقي… هؤلاء أعداء… جاؤوا على هيئة بيادق… عملاء… خونة… مجرمون… أصحاب كل خطيئة تخطر على بالك… ويجاهرون بها بكل وقاحة وصفاقة… هؤلاء أصبحوا يتحكمون في رقابنا… وصاروا يملكون كل سلطان علينا… وبإمكانهم القضاء علينا أيضاً لو استكنا لهم هكذا… لذا لا مكان لحقوق الإنسان معهم… ولا مجال حتى للخوض معهم في هذا الحديث!!
أعلم يا صديقي أنك صدمت بموقفي المرعب هذا… لكن لا مناص من ذلك… ولسنا أول من طبق ذلك سواء في العالم الثالث أو حتى الأول… فهؤلاء ورم سرطاني إن لم نستأصله جراحياً… سندفع ثمناً باهظاً في استمرارهم بالتنفس معنا…
ولنعد لتلك القصة التي سردت بعض أجزاءها في بداية ردي هذا… حقيقة لم يعد لدي ذئبين متصارعين فيما يخص هؤلاء… بل أصبح الأمر أشبه باقتحام ذئب وحيد لحظيرة الدجاج التي بداخلي… فقد استنفذوا كل الفرص التي اتيحت لهم في تلك السنوات الضائعة من أعمارنا… ناهيك عن شعوري الرهيب بالخديعة باسم الحوار والوفاق والسلام إلى باقي الأكاذيب التي يرفعونها كشعارات أمام وجوهنا…
أخيراً… أنا اعتقد بمسألة أن الكثير من الحلول قد فاتت تصوري أو تجاوزت تفكيري… لكن صدقني… فقد عصرت دماغي وراجعت كل أدبياتي للخروج من مأزقنا هذا… فلم تسعفني حتى هذه اللحظة أي فكرة مسالمة… ولكني بالرغم من ذلك سانتظر أي حل وأبحث عنه… ينجدنا مما نحن فيه… لكني أريدك أن تعرف أني مكره على القبول بذلك الخيار البائس… ومستعد لتحمل المسؤولية التاريخية حول فكرتي التي أحسبها شاذة عن بقية أفكاري… وسأقبل الخضوع في أروقة المحاكم بشرط وحيد… أن يحاكمني قاضٍ نزيه وعادل… لأني إن اكتشفت أنه مثلهم… سأبصق على وجهه وليحكم عليّ بما شاء… حينها لن اهتم… لأنه لن يبق شيء أخشى عليه… سوى مستقبل أبنائي… والذي أراه مظلما بصحبة هؤلاء الأوغاد!!