
* كتب/ محمد أبوسنينة،
لقد وقع ما حذرنا منه مراراً وتكرارا، و بالرغم من أن كثيراً مما ورد في بيان مصرف ليبيا المركزي الصادر الأحد، يعتبر معلوماً لدى الكثيرين، إلا أنه يعتبر إعلانا وتحذيرا بأن القادم سيكون أسوأ على الاقتصاد الليبي والمواطن البسيط.
تشوهات مسّت أساسات الاقتصاد الكلي، عندما تصل نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي 125% ، وعندما يتجاوز الإنفاق العام إجمالي الدخل بنسبة 165%، وعندما يعاني الاقتصاد من عجز في الميزانية العامة وعجز في ميزان المدفوعات (أو مايعرف بالفجوتين)، عندها يكون الاقتصاد في أزمة حقيقية خطيرة .
وعندما يكون العجز في إيرادات النقد الأجنبي خلال الربع الأول من عام 2025 حوالي 4.6 مليار دولار؛ مما ينذر بالمزيد من التدهور في الأوضاع الاقتصادية، وأن المصرف المركزي لن يتمكن من الدفاع عن سعر صرف الدينار الليبي وتعرضه للمزيد من التخفيض .
الاقتصاد الليبي مهدد بالدخول في دوامة التضخم ذي الحدين والعجز، وتعثر الاستدامة المالية للدولة، وقد تتوقف الحكومة عن أعمالها (إقفال الحكومة)، حيث لم يعد دخل النفط كافيا لسداد المرتبات المدفوعة من الخزانة العامة، بعد الانخفاض الحاد في أسعار النفط الخام .
أمام هذه الأوضاع غير المسبوقة لا خيار أمام متصدري المشهد، ومجلس النواب، إلا التخلي عن التجاذبات السياسية، واتخاد جملة من الإجراءات العاجلة لإنقاذ حاضر ومستقبل الاقتصاد الليبي، والحيلولة دون تدهور مستوى معيشة المواطنين، وذلك على النحو التالي:
أولا: تكليف حكومة إنقاذ مصغرة واحدة على كافة التراب الليبي، توقف الهدر والانفلات القائم في الإنفاق العام، وتتحمل مسؤولية إعداد وتنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادي والمالي، يعرض على مجلس النواب ويصدر بقانون .
ثانيا: إقرار ميزانية تقشفية عامة للدولة، قبل منتصف العام المالي 2025، وفي حدود الموارد المتاحة والطاقة الاستيعابية للاقتصاد الوطني .
ثالثا: أول ما يطبق، برنامج الإصلاح والإنقاذ على مؤسسات الحكومة نفسها، بتوحيد المؤسسات السيادية المنقسمة توحيدا حقيقيا، يجعلها قابلة للمساءلة والمتابعة .
رابعاً: تقليص وإلغاء وإعادة هيكلة الكثير من الوحدات الإدارية المستحدثة (وزارات، سفارات، مؤسسات وهيئات عامة، وأجهزة)، وتخفيض عدد العاملين بها .
خامساً: إعادة ترتيب أولويات الإنفاق التنموي والبحث عن مصادر لتمويله خارج الميزانية العامة، وإصلاح الدعم ومكافحة تهريب المحروقات ونشاطات غسل الأموال.
سادساً: يلتزم المصرف المركزي بعدم إقراض الحكومة أو تمويل أية نفقات غير مدرجة في الميزانية العامة، ويعمل على الحد من زيادة عرض النقود، وإصلاح السياسات المصرفية، وممارسة أدوات السياسة النقدية المتاحة له .
سابعاً: إخضاع إيرادات تصدير النفط الخام والغاز للمراجعة المصاحبة والتدقيق وغل يد المؤسسة الوطنية للنفط عن التصرف في إيرادات النفط وتوريدها كاملة لمصرف ليبيا المركزي بشفافية تامة وفي المواعيد المحددة لها.
ثامناً :تجميع وتوحيد كافة الأرصدة والودائع، المقومة بالنقد الأجنبي المتاحة لدى كافة مؤسسات الدولة (المؤسسة الليبية للاستثمار، المحفظة طويلة المدى، المصرف الليبي الخارجي، صندوق الإنماء الاقتصادي، وغيرها من المؤسسات الأخرى التي لديها موارد بالنقد الأجنبي) بهدف حمايتها وحسن إدارتها، بحيث توضع هذه الأموال تحت تصرف جهة واحدة، تسمى لجنة الاستقرار المالي، برئاسة مصرف ليبيا المركزي، لمعالجة المختنقات التي قد تواجه الدولة الليبية وتهدد مستقبلها، وللرجوع إليها لدعم استقرار سعر صرف الدينار الليبي، وذلك إلى حين استقرار الأوضاع الاقتصادية والمالية في البلاد .
برنامج الإنقاذ المطلوب، ستكون له تكلفة اقتصادية واجتماعية لا ينبغي أن يتحملها المواطن لوحده والفئات الهشة، وعلى حكومة الإنقاذ المقترحة تحمل مسؤولياتها كاملة لتقليص الإنفاق العام وإيقاف أوجه الفساد وإلغاء الكثير من أوجه الصرف التي تم استحداثها والاكتفاء بتقديم الخدمات العامة الأساسية وتوفير الأمن، وحماية الحدود، وإلغاء الوحدات الإدارية المستحدثة والمزدوجة، والعمل على تنمية الإيرادات السيادية غير النفطية (الضرائب والرسوم الجمركية) وتحصيل إيرادات بيع المحروقات في الداخل كاملة، وتوريد أرباح وفوائض نشاطات شركات الاتصالات والشركات العامة إلى حساب الإيراد العام لدى الخزانة،
إن الفئات الهشة من المجتمع يجب أن توفر لها الحماية الاجتماعية اللازمة للحيلولة دون وقوعها تحت خط الفقر. وأن تعكف حكومة الإنقاذ والمؤسسات المعنية وكافة الجهات ذات العلاقة (التشريعية والتنفيذية) والاستشارية، على إعداد رؤية لمستقبل الاقتصاد الليبي تستهدف إعادة هيكلته لتنويع مصادر الدخل، والتخلص من هيمنة قطاع النفط على النشاط الاقتصادي على المدى الطويل .
6 أبريل 2025