الرئيسيةالراي

رأي- مفهوم الثقافة تبعا للنسق الثقافي للمجتمع: المجتمع الليبي أنموذجًا

* كتب/ عمران اشتيوي،

تُعدُّ الثقافة بمفهومها الواسع نتاجًا مركبًا لتاريخ طويل من التفاعل بين الفرد والمجتمع، وهي تعبير عن القيم والمعايير التي يتبناها الأفراد ويعيدون إنتاجها داخل النسق الثقافي للمجتمع.

في هذا السياق، يتجلى النسق الثقافي بوصفه البنية الاجتماعية والفكرية التي تشكل جوهر الهوية الجماعية وتوجه سلوك الأفراد والجماعات في المجتمع.

لدى المفكر السعودي المرموق الأستاذ إبراهيم البليهي مقولة عميقة عنوانها: “العقل يحتله الأسبق إليه”….. ومن ضمن ما يقول: “أنت لم تختر اسمك، ولا لغتك، ولا أي شيء، إنما تبرمجت عليه تبرمجا تلقائيا، وينبغي أن تتحقق مما في رأسك”.

يتميز المجتمع الليبي بنسق ثقافي فريد، يعكس تاريخه العريق وموقعه الجغرافي الذي جعله حلقة وصل بين الثقافات المتوسطية والعربية والإفريقية. فالهوية الثقافية الليبية هي مزيج من الموروثات القبلية والعادات الإسلامية، إضافة إلى تأثيرات الحقبة الاستعمارية والتطورات الحديثة.

ورغم تنوع الثقافات المحلية في ليبيا، بدءًا من الطوارق جنوبًا إلى الأمازيغ والبربر في الجبل الغربي، مرورًا بالمدن الساحلية ذات الطابع الحضري، فإنَّ القاسم المشترك بين هذه الثقافات هو قيم الضيافة، والترابط الأسري، والانتماء الديني. هذه القيم تمثل جوهر النسق الثقافي الليبي الذي يوحِّد المختلف ويوائم بين الأضداد.

على مدى العقود الأخيرة، واجه المجتمع الليبي تغيرات كبيرة أثرت على نسقه الثقافي، منها التحولات السياسية، والعولمة، والثورة التكنولوجية. وعلى الرغم من ذلك، ظل النسق الثقافي الليبي متماسكًا إلى حد كبير، حيث تمكن من الحفاظ على هويته مع استيعاب الحداثة في حدود توازنه الاجتماعي.

أحد أبرز التحديات التي تواجه الثقافة الليبية اليوم هو التوتر بين الأصالة والمعاصرة. فمن جهة، يسعى المجتمع إلى الحفاظ على إرثه الثقافي الغني، ومن جهة أخرى، يواجه ضغوط العولمة التي تفرض نموذجًا ثقافيًا عالميًا قد لا يتناسب مع خصوصياته المحلية. ولعل دور الأجيال الشابة في هذا الإطار حاسم، إذ تقع على عاتقهم مسؤولية التوفيق بين هذه المتغيرات وصياغة هوية ثقافية متجددة.

فهم النسق الثقافي لأي مجتمع، بما في ذلك المجتمع الليبي، يعدُّ مفتاحًا لتطوير سياسات ثقافية واجتماعية فعَّالة. فالثقافة ليست مجرد موروثات جامدة، بل هي ديناميكية تتغير باستمرار. وفي الحالة الليبية، يمثل النسق الثقافي أداة لفهم التفاعلات الاجتماعية والحفاظ على الاستقرار المجتمعي، خاصة في ظل مرحلة التحولات الحالية.

عموما.. الثقافة الليبية هي مرآة لمجتمع متنوع، يعكس النسق الثقافي فيه توازناً دقيقاً بين الماضي والحاضر. ورغم التحديات التي تواجهه، يظل المجتمع الليبي نموذجًا يُحتذى به في قدرته على التكيف مع المتغيرات مع الحفاظ على هويته الثقافية.

إن التعمق في فهم النسق الثقافي الليبي ليس مجرد ضرورة أكاديمية، بل هو خطوة نحو بناء مجتمع أكثر تماسكًا واستدامة.

للكاتب أيضا:

الذكاء الاصطناعي: هل هو صديق أم عدو للبشرية؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى