
* كتب/ خالد الجربوعي،
أزمة تأخر الكتاب المدرسي عن بداية الموسم الدراسي أزمة متكررة ومتجددة كل عام تقريبا.
فلا يمر عام إلا ويبدا العام الدراسي بغياب الكتاب وعدم توفره بشكل كامل ومناسب في جل المدارس ومراقبات التعليم على طول البلاد وعرضها، مرة بحجة تأخر الطباعة، ومرة بحجة عدم توفر الميزانيات الخاصة بالطباعة وتأخر منحها، ومرة بحجة الأزمات التي تمر بها البلاد.. وكل عام بعذر جديد أو قديم مكرر ومتكرر لا ينتهي.
وهذا العام وصلت الأزمة إلى قمّتها، حيث وصل زمن تأخر الكتاب المدرسي إلى أكثر من شهرين على انطلاق الموسم، بل ربما يتواصل حتى كتابة هذه الأسطر في بعض المناطق والمدارس التي لم يصلها الكتاب بعد.
كل ذلك يحدث نتيجة ما يتم من صراع وفساد وتدخل من عديد الجهات والأطراف ولو بالباطن، من أجل الحصول على العطاء الخاص بطباعة الكتاب بين الداخل والخارج، وعلى فرصة الاستفادة من عقود هذا العمل الذي يبدو أنه مربح لمن يقوم به لأقصى حد.. بل حتى ما يتم طباعتها يكون في كثير من الأحيان بجودة متدنية وطباعة رديئة، لا تصل إلى المستوى المطلوب.
وباعتبار أن الموسم الدراسي ليس أمرا يحدث دون سابق إنذار أو يأتي فجأة بل هو أمر محدد البداية والنهاية في جل الأحيان، وأمر متواصل لا نهاية له، والكتاب المدرسي فعل مطلوب طيلة الوقت ولا نهاية له هو الآخر، وعملية الطباعة عمل لا يتوقف سنويا، فهو عملية متواصلة يفترض أن تكون طيلة العام لا ترتبط بموعد معين ينتهي في أي لحظة.. وحتى لا يبقى هذا الفعل رهين مزاج أي طرف من أطراف السلطة ولا فرصة للمزايدة والفساد، ومطلب لكل من يريد الاستغناء على حساب ابنائنا وتعليمهم، يتم تفكره والاستعداد له عند اقتراب الموسوم الدراسي كما كل عام، لنجد أنفسنا نكرر نفس الخطأ والتأخير والأزمة، بفتح باب العطاءات والمزايدات والمساومات لإرضاء هذا أو ذاك، على حساب العملية التعليمية التي يعتبر الكتاب أحد أضلاعها الأساسية، نتساءل والسؤال هنا مهم جدا جدا..
“لماذا لا يتم إنشاء مطبعة خاصة بوزارة التعليم لطباعة الكتاب المدرسي“؟!
تكون بأفضل المعايير العالمية لطباعة الكتب، وتعمل تحت إشراف وملكية الوزارة بشكل كامل ومباشر، ويكون كل دورها الأساسي هو طباعة الكتاب والعمل على توفيره طيلة أيام السنة دون توقف، لتكون جاهزة في كل وقت ودون تأخير، وحسب المواعيد المحددة وبكميات مضاعفة، تحسبا لأي ظروف طارئة.. لتنتهي عملية العطاءات وصراع المطابع الأخرى عامة وخاصة، خارج البلاد وداخلها، وكل من يحاول الاستفادة من وراء هذا الملف الحساس على حساب البلاد والعباد والعملية التعليمية الهامة جدا، لتصبح وزارة التعليم هي صاحبة المطبعة والمسؤولة الأولى والأخيرة والحقيقية عن الكتاب وطباعته، بشكل مباشر وتحت إشرافها بكل مراحله، حتى تخرج لنا أجود أنواع الكتب وأفضلها وفي مواعيدها المحددة.. وعند حدوث أي عرقلة أو تأخير من قبلها تتحمل كامل المسؤولية، طبعا بعد أن تحدد ميزانية سنوية لا تتوقف لمثل هذا العمل ولا يتدخل أحد في مسارها، إلا الجهات المعنية بتنفيذ العمل، والرقابة التي يكون دورها مراقبة العمل ونتائجه الفعلية على أرض الواقع.
ولإنجاح مثل هذا العمل يمكن الاستفادة من عديد الخبرات في مجال الطباعة ممن كانوا جزءا من المطابع الرسمية التي أقفل الكثير منها، وأصبح العاملون بها جزءا ممن يعانون الأمرّين بسبب عدم وجود بدائل لهم، وبقائهم تحت بند الشركات المتعثرة والمتوقفة، ومثل هؤلاء يمكن إعادتهم إلى العمل من خلال مثل هذا المطبعة، ومنحهم الفرصة لممارسة مهنتهم، وتوفير فرصة عمل جديدة لهم ليكون للأمر فوائد جانبية في مثل هذا الفعل.
وطبعا أعلم أن الأمر لن يكون سهلا، والصراع سيكون على أشده لمنع مثل هذا الفعل، لأنه سيفقد الكثرين بابا للمكسب والثراء من وراء فساد هذا الملف المتكرر، ماضيا وحاليا، ليس في السنوات الأخيرة فقط، بل منذ عقود، وإن بدرجات وأشكال مختلفة.
فهل تكون وزارة التعليم، ومن وراءها من سلطة تنفيذية -وحتى تشريعية- في الموعد للقيام بهذا الأمر، والعمل على إنجاز مطبعة متطورة خاصة بطباعة الكتاب المدرسي تخص وزارة التعليم وحدها؟ لكي يتوفر الكتاب في موعده ودون تأخير وبأفضل جودة ومتابعة.. أم أن الأمر خارج حسابات كل السلطات، وآخر اهتمامها، وليذهب الكتاب المدرسي ومن يطلبونه والتعليم بشكل عام إلى الجحيم، أمام المصالح والمكاسب الخاصة للمستفيدين من وراء هذا الباب المفتوح للفساد والرشوة، لكل محظوظ وصاحب مصلحة وعلاقة ومن بينهم كل السلطات المذكورة.



