
* كتب/ عبدالله الكبير،
تذهب تقديرات الخبراء في شؤون الاستراتيجيات الدولية، إلى تحديد بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في نهاية فبراير 2024، كلحظة بداية تفكك النظام الدولي السائد منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، وبداية مخاض تشكل نظام دولي جديد ينحو إلى نظام متعدد الاقطاب، مع تحولات عميقة في موازين القوى الدولية، واستمرار تراجع الهيمنة الأمريكية على العالم. الاضطراب النسبي السائد عالميا منذ نحو عقدين سيتبلور في النهاية علي نظام دولي جديد، تتقاسم فيه القوى الكبرى مناطق النفوذ في العالم، وترسم بينها حدود النفوذ الجديدة.
غير أن الصدمة الكبرى التي سرّعت من حركية هذا التحول الدراماتيكي، كانت في الموقف الأمريكي من روسيا بعد عودة ترامب إلى سدة الرئاسة، ورغبته المعلنة في رفع روسيا من خانة الخصم والتقارب معها، ولعل الصدمة الأكبر لهذا التحول كانت في أوروبا، فإذا كان العالم بأسره قد صدم من النقاش الحاد المنقول مباشرة عبر وسائل الإعلام، بين ترامب ونائبه دي فانس مع الرئيس الأوكراني زيلنسكي، وهو حدث غير مسبوق مطلقا، فإن الصاعقة الأكبر وقعت على رؤوس زعماء أوروبا، لأن تخلي أمريكا عن دعم أوكرانيا يعني مواجهتهم وحدهم لروسيا، التي ستفرض شروطها على أوكرانيا، وفقا لحدود جديدة وشروط قاسية بشأن مستقبل أوكرانيا، فضلا عن اتفاق المعادن الذي يريد ترامب بواسطته الحصول على نصف ثروة أوكرانيا من المعادن النادرة.
زيارة الرئيس الفرنسي ثم رئيس وزراء بريطانيا إلى أمريكا، والإطراء للرئيس ترامب أملا في ثنيه عن قراره بوقف الدعم لأوكرانيا، لم يسفر عنه ما رغب به الزعيمان، فلم يعِد الرئيس الأمريكي بأي وعود تشي بتغير موقفه، بل ذهبت تصريحات بعض وزرائه في الاجتماعات مع نظرائهم الأوروبيين، إلى دعوتهم لعدم الاعتماد على القوة الأمريكية، وتحمل مسؤولياتهم في تحقيق أمنهم.
يتوقع بعض الخبراء والمسؤولين السابقين في أوروبا وفي حلف الناتو، احتمال تفكك حلف الناتو، وتأسيس منظومة دفاعية أمنية وقوة ردع أوربية خاصة، فبعد المشادة التاريخية والإذلال الذي تعرض له الرئيس الأوكراني في البيت الأبيض، تصبح القضية الأوكرانية أوربية خالصة، وستشهد الشهور والسنوات المقبلة شروع الدول الأوربية الكبرى في إعادة بناء قدراتها الدفاعية لمواجهة التهديد الروسي، وفقا للمتغيرات المستجدة في الموقف الأمريكي.
وماذا عن بقية العالم؟
هذا هو السؤال الأكثر أهمية لنا في بلدان العالم النامي، لأن كل هذه التطورات ستكون لها نتائج وتداعيات سياسية واقتصادية ستطال كل الأمم، فالكبار سوف يتوصلون في النهاية إلى إبرام التحالفات والتفاهمات فيما بينهم، للحفاظ على توازنات القوة في مواجهة أي تحديات، ومع تعدد الجبهات التي يفتحها الرئيس الأمريكي ربما سيكون من الصعب عليه الانتصار فيها كلها، وبالتالي قد يجد نفسه مضطرا إلى الإبقاء على تحالفات أمريكا التقليدية في حدها الأدنى، ولكن من دون أي شك. النظام العالمي يتغير بشكل جذري.
كل تحولات القوي الكبرى ستكون على حساب الأمم المشتتة والضعيفة في باقي العالم، وهذا ما وقع في كل مراحل التاريخ عند انهيار الإمبراطوريات وصعود أخرى، أو كما شرحه لينين قائد الثورة البلشفية في روسيا في بدايات القرن الماضي: “في عصر الامبريالية ليست حقوق الأمم الصغيرة سوى أوراق لعب تافهة في مكائد القوى الكبرى، يتم استخدامها عندما يكون ذلك مناسبا لتبرير وتمويه الأهداف الامبريالية للقوى الكبرى، ثم يتم التخلص منها عندما لا تعود تخدم غرضا مفيدا”.
للكاتب أيضا: