* كتب/ محمد أبوفلغة،
قبل أيام، تعرضت ولاية تكساس الأمريكية (حيث كنت أقيم إلى فترة قريبة) لعاصفة ثلجية أدت إلى انقطاع الكهرباء والمياه عن مناطق كثيرة في الولاية لساعات طويلة أو أيام في عديد الحالات.
موجة البرد القارس في تكساس لم تصل إلى المستويات المعهودة في الولايات الشمالية أو كندا. فبينما انخفضت درجة الحرارة في تكساس إلى 10 تحت الصفر في أسوأ الأحوال، وصلت درجة الحرارة في مينيسوتا وولايات أخرى إلى ما يقارب 30 تحت الصفر. ولكن تبعات العاصفة في تكساس كانت أعظم لأسباب أخرى.
ما يهمني هنا هو سبب انقطاع الكهرباء عن تكساس وعلاقته بظاهرة انقطاع الكهرباء المتكرر في ليبيا. يتحدث البعض في البلاد عن ضرورة تبني النظام الرأسمالي وخصخصة كافة القطاعات. يقول أحدهم إن الحل لمشكلة الكهرباء في ليبيا هو حل الشركة العامة واستبدالها بشركات خاصة تتنافس في إطار سوق حرة. ولكن هذا بالتحديد ما حدث في تكساس وأدى إلى انقطاع الكهرباء عن المستشفيات والمؤسسات الحيوية والمواطنين حين كانوا في أمس الحاجة للكهرباء من أجل التدفئة.
قبل سنوات، قررت تكساس خصخصة قطاع الكهرباء وسمحت لشركات خاصة بأن تكون المزود الأساسي للكهرباء في الولاية.
يقول ويليام هوجان، أستاذ سياسة الطاقة الدولية في جامعة هارفارد ومصمم سوق الكهرباء في تكساس إن السوق عمل تماما كما هو مصمم للعمل: حين يزداد الطلب على الكهرباء، يرتفع السعر. ارتفاع السعر يجبر الزبائن على تخفيض استخدامهم للكهرباء لتجنب زيادة الضغط على محطات التوليد. وهذا الاستخدام هو جوهر فكرة السوق الحرة. ولكن ثمة مشكلة قاتلة.
بعكس الكثير من السلع العادية، الطلب على الكهرباء يزداد في حالتين أساسيتين، أولاهما البرد القارس، وثانيهما الحر الشديد. في الحالتين، لا يمكن للزبائن أن يخفضوا استهلاكهم ببساطة فلا غنى عن التدفئة والتبريد في الحالين. وإن كان بالإمكان إقناع المواطن بالذهاب إلى البحر أو المسطحات المائية في الحر الشديد، فما من حل مماثل يمكن الالتفات إليه في حالة البرد القارس. بلغة الاقتصاد، الطلب على الكهرباء ليس مرنا، بمعنى أنه لا يستجيب لتغير السعر.
في تكساس، قامت شركات الكهرباء الخاصة بما تقوم به أي شركة تسعى للربح: تخفيض تكاليف الإنتاج من خلال استخدام معدات غير مجهزة لتحمل درجات الحرارة المنخفضة في محطات توليد الطاقة، بما في ذلك طواحين الرياح. نتيجة لذلك، انخفضت كمية الكهرباء التي تنتجها هذه المحطات. باختصار، زاد الطلب وقلّ العرض في أصعب الظروف.
بالتالي، فكرة السوق الحرة لا يمكن الاعتماد عليها في مجال الكهرباء.
الحل بالنسبة لليبيا لا يكمن، من وجهة نظري، في حلّ الشركة العامة للكهرباء واستبدالها بشركات خاصة يهمها الربح بالدرجة الأولى، فالكهرباء سلعة عامة لا يمكن تركها لمضاربات سوق حرة. إنما الحل في تحسين وتطوير عمل الشركة العامة ومراقبتها بشكل دائم.