* كتب/ أسامة اوريث،
طوال تاريخنا الطويل لم ينجح الليبيون بمختلف جماعاتهم منذ القدم في (تأسيس دولة حاكمة واحدة كاملة السلطة والسيادة على هذا التراب المشتت من يومه) لذلك كنا دوما عرضة لغزو الآخرين، ولم يكن بمقدورنا يوما أن نغزو شبرا واحدا من بلدان الجوار!!
ألا تستحق هذه النقطة الأخيرة/والملاحظة المثيرة؛ اهتمامنا!؟
لذلك كنا ضحية التبعية والسيطرة للشعوب المتوسطية القديمة الفينيقية والإغريقية والرومانية، ولدول القبائل والأسر العربية الحاكمة من المشرق: الراشدية من المدينة، والأموية من دمشق، والعباسية من بغداد، أو للدول المغاربية البربرية المرابطية والموحدية والحفصية من مراكش وفاس وتونس.. أو الاسبانية من ليون وقشتالة، وفرسان القديس يوحنا من مالطا.. فالدولة العثمانية من اسطنبول، فإيطاليا من روما؛ لأنها أقوى وأعظم عدة وعددا وسلطة وسيادة..
(وسنلاحظ بأنه قد غزانا الآخر دوما ولم نغزو يوما بلدا مجاوراً!) .. أليست هذه بعلامة فارقة، على أننا شعب بسيط، تركيبته ابتدائية بدائية بدوية جبلية صحراوية سطحية وقبلية، ولم يصل أصلا لتعداد مليون نسمة إلا سنة 1954!
لم نؤسس دولة واحدة متكاملة السيادة من الداخل طوال تاريخنا، (لأنه ليس ثمة حضارة عمرانية ومدنية وفكرية أدبية تخولنا ذلك!)، لا قوات عسكرية نمضي بها قدما، لا حدود ندافع عنها ولا سلطة واسعة ولا عملات نقدية ضربناها بأنفسنا، ولا خرائط ولا دواوين، ولا جيش ولا أسطول،، فحتى الأخير مشروع بحري انقطع منذ زمن السفن الرومانية ولم يظهر إلا بعد ألف سنة أخرى على يد العثمانيين بعد تشييد الترسانة مقر صناعة السفن بطرابلس وهي حوض البحيرة الصناعية للسراي الآن..
حتى ماضينا وتاريخنا وأسماء مناطقنا عرفناها في واقع الأمر من كتب الآخر، إغريق وفينيق وبيزنطيين وخلافهم.. لأنها من تسمياتهم أصلا! وهؤلاء دخلنا التاريخ المكتوب عن طريقهم، ولولاهم لكان ماضينا مجهولا تماما كماضي ليبيا في العصر المطير، وحتى بعض الأسماء للأماكن كانت تعني معاني لهم، كسرتيس وهي خليج المنطقة الرملية باللاتينية، لأنهم كانوا ملاحين ويرون الخليج بسفنهم.. وبعض الأقوام على وزن إغريقي واحد: مكاي جيلجيماي أوسبستاي أوسخيساي مارماريداي..
لقد كنا ضحية التبعية والسيطرة للشعوب الأخرى لأنها أقوى وأعظم عدة وعددا وسلطة وسيادة..
وسنلاحظ ألف مرة! بأن الآخر وفي شكله الدولي المنظم قد غزانا دوما! ولم نغزو نحن يوما بلدا مجاوراً واحدا!
من الجيد أن نعي بأننا كننا طوال حقب تاريخنا الطويل مجرد قبائل بسيطة غير مؤثرة أمام الآخرين، وبسيطي الإمكانيات وعقلياتنا محدودة، حياتنا ريفية أو بدوية، لذلك كُتب على ليبيا أن تكون دوما مستعمرة للآخرين، وافدا تلو وافد يسيطر على المكان، دون أن ننجح في تخليص أنفسنا من تلك التبعية؛ لأنه لم تكن لدينا مقومات عقلية ومادية تمكننا من فعل شيء مفيد بعد طرد الآخر.
ولأن السيادة نفسها مفهوم غائب عن وعي الشعب البسيط، وهي مع الحدود الليبية صناعة عثمانية لحسن الحظ، وإلا لكنا اليوم تابعين لمصر أو تونس في أحسن الأحوال.
أثبت التاريخ وبرهن الحاضر اليوم بأننا لن نصنع دولة من دون أن يمد الآخر يد المساعدة لنا..
هل أسسنا يوما دولة طوال 3000 سنة؟ لا شيء سوى الغبار والحجارة والتراب.. فحتى منشآت المدن البحرية العتيقة القديمة اليوم هي صناعة حضارة الوافد الإغريقي والفينيقي والروماني والبيزنطي.
وقد استفادت بلادنا وخصوصا ساحلها من تبعية الآخر، في تلك الأزمان البسيطة بالنسبة لنا، المدن التي نعرفها اليوم بأنها أثرية وتاريخية هي من كانت نبض الحياة الوحيد في العصور الغابرة، نمت بها المجتمعات المدنية في أويا وصبراته ولبتيس وقورينا وطولميدا وبرقه وأبوللونيا وتوخيرا وهيسبريديس،، ظهرت بها الأسواق والمسارح والمنتجعات أو الفلل الشاطئية كفيلا سيلين وحمامات الصيد وفيلا تاجوره وغيرها، ونشطت الحياة المدنية بل ظهرت حتى الفلسفة القورينية في قورينا،، والمكتبة العلمية بلبدة الكبرى.. كل ذلك نتاج ثقافة الآخر وأثره في بلادنا الساحلية على نحو خاص حيث الاتصال الدائم بالبحر. بينما عاش البقية في عزلة بدوية.
أما سكان تلك المدن أين هم اليوم؟ فذاك موضوع طويل من الغارات القبلية والجفاف والغزوات وانهيار الحضارة الرومانية، وأثرها على ساكنة المدن البحرية الساحلية: تريبوليتانيا وسيرينايكا حتى هجرها سكانها بعد أن هلك معظمهم بفعل الغارات المحلية البدوية، وغادر إلى من حيث أتى أسلافه أساسا .
هل نعتبر الدولة القرمانلية أول دولة محلية تحكم من الداخل؟ هي أيضا توطدت بعد اعتراف الدولة العثمانية بها.. وإلا ما كانت لتصمد..
المملكة الليبية 1951؟ هي أيضا نشأت بدعم المملكة البريطانية عرابة النظم الملكية في العالم وحليفة الملك الراحل إدريس.
جمهورية جماهيرية العقيد؟ هي أيضا قامت بعد تواطؤ الدول الكبرى، أمريكا على نحو خاص، التي كانت تصفق أول الأمر لقيام النظم الجمهورية.. مع دعم مصر الناصرية والاتحاد السوفياتي حليف القوميين الاشتراكيين الشيوعيين
المجلس الانتقالي عقب ثورة فبراير؟ هو أيضا ما كان لينجح من دون دعم المجتمع الغربي وحلف النيتو تحديدا.. من كان سيصمد أمام ترسانة المقبور المدمرة! والتي كان يجهزها أساسا لمثل هذا اليوم! ومن دون مساعدة الآخر.
حتى نهار اليوم لن ننجح في صنع دولة توافقية دون مساعدة الآخر.. وأعني بالآخر من الأفضل لنا أن يكون من الغرب المتقدم.. فهو على الأقل لا يهتم بسخافات القوميات والدينوجيات والعصبيات والقبليات.. وسيساعدنا في بناء دولة مدنية تستوعب الجميع تحت مظلة دستور واحد وحاكم وفق نظام من الأفضل أن يكون فيدراليا، وإلا سيستمر الزحام والصراع وتستمر الحساسيات والأيديولوجيات.