* كتب/ هشام الشلوي،
لا أظن أن التوصيف الصراع في ليبيا حاليا بين أنصار الديمقراطية والرافضين لها، أو أن الشعارات الثورية صالحة كنموذج تفسيري لما يجري.
حاليا وبعد أحد عشرة سنة من إسقاط النظام السابق بسبب الهبة الشعبية ومساندة حلف النيتو الحاسمة، يتضح أن المال العام وأدوات توزيعه هو الهدف الرئيسي للصراع بين القوى المهيمنة، أي بين الشرق والغرب، الشرق يمثله عسكريا حفتر وسياسيا عقيلة صالح، بينما العرب تتوزع فيه عناصر القوة السياسية والعسكرية؛ وإن كانت لمصراتة اليد العليا فيه، أما الجنوب فهو عادة ما يرتضي بدور التابع، وإن كانت الهيمنة العسكرية لحفتر عليه واضحة.
فمنذ توقيع اتفاق الصخيرات في كانون الأول ديسمبر عام 2015 ودخول حكومة الوفاق الوطني، أصبحت جميع التيارات ممثلة في السلطة- أنصار النظام السابق، أنصار حفتر، أنصار فبراير- ولم تغب هذه التقسيمة بعد ذلك سواء عن ملتقى الحوار السياسي أو حكومة الدبيبة ولن تغيب عن حكومة باشاغا إن قُدر لها استلام السلطة.
وكل طرف داخلي يتكئ على طرف خارجي يمده بالدعم في مختلف المنظمات الدولية والإقليمية، ويستمد منه القوة، أي أن الأطراف الداخلية كلها بدون استثناء لو لم يكن لديها داعم إقليمي ودولي لم تكن لتستمر في الصراع والحصول على موطئ قدم في مؤسسات الدولة وبالتالي الفوز بنصيبها من المال العام.
ونتيجة لانحلال خاصرة وعرى الدولة بشكل تام، وغياب أي دور للأحزاب السياسة الفاعلة وبرلمان مشتت ومجلس أعلى للدولة بلا هوية واضحة وخضوع تلك المؤسسات لمزاج ومصالح الرؤساء الفعليين فيها، ومجتمع غير ناضج بمصالحه العليا بسبب عدم قدرته على تنظيم نفسه، بات المال العام هدفا سهلا لكل النافذين، بل وبات الفساد مدافعا عنه على شاشات التلفزة من مجموعات مختلفة خاضعة لسطوة من يدفع هذا المال.
لذا، لكل ما تقدم فإن ليبيا من وجهة نظري مقبلة على سيولة وتحلل غير مسبوقين في تاريخنا الحديث، وستتحول الدولة إلى شكل هلامي لا معالم لها ولا طريق واضح للخروج، وباتت المعالجات أكثر تعقيدا من أي وقت مضى.
وليست هناك ضمانات ألا يعود الليبيون إلى الاحتراب مجددا، سواء في شكل حروب صغيرة داخل الإقليم الواحد أو موسعة وعلى نطاق شامل.