
* كتب/ خالد الجربوعي،
ما حدث ببلدية جنزور خلال الفترة الماضية من سقوط إحدى العمارات الحديثة البناء والتي ذهب ضحيتها عدد من المواطنين أمر ليس مستغربا ولا عجيبا.. وشخصيا كنت أتوقع حدوث مثل هذه الحوادث في العقارات والمباني لأسباب عدة، حتى إنني ذكرت في إحدى المرات أنها لو تعرضت مدينة طرابلس وغيرها من مدن ليبية لأي زلزال “لا قدر الله” ولو بقوة متوسطة لشاهدنا كوارث لا حد لها، بسقوط مبان بشكل يتجاوز كل حد وتوقع، والأمر ليس تنجيما ولا غريبا.. لأن ما يحدث في الشارع الليبي ومنذ سنوات وعقود في عملية البناء ونوعيته وطريقته أمر لا يقود إلا إلى هذه النتائج الكارثية، حتى إن تأخر الأمر لفترة.
فبداية بالمباني القديمة والتي أصبحت غير قابلة للاستعمال، بل هناك منها حتى الصيانة لن تعود تجدي معها، وهذه جلها وسط العاصمة طرابلس والتي كثيرا ما نسمع عن سقوط أحدها، ورغم كل التنبيهات والطلب من قاطنيها بمغادرتها والبحث عن بدائل إلا أن لا أحد وصل الأمر، لا مواطن ولا جهات رسمية فرضت الأمر، وعند كل واقعة يتجدد نفس الكلام وينتهي في مكانه دون أي فعل على الأرض.. هذا جزء.. أما الجزء الأهم فهو في المباني التي أنشئت حديثا سواء تلك التي أقيمت على بيوت سابقة البناء، وخاصة ذات المساحات المحدودة وفي الأحياء الشعبية، أو التي يتم بناؤها بالكامل على أراضي فضاء، فالأمر لم يعد يلتزم لا بمواصفات ولا مقايسات ولا هم يحزنون، فالكل يفعل ما يراه أمامه عند غيره، دون أن يهمه ما قد ينتج عن ذلك.. فالبيوت المقامة سابقا على دور واحد والتي تحولت اليوم إلى أدوار عدة تجاوز الكثير منها حتى المسموح به قانونا، تقام بشكل عشوائي من خلال إقامة بعض الأعمدة الخارجية وأحيانا داخلية دون أي ربط حقيقي، وبشكل لا علاقة له بأي مواصفات لإقامه هذه الأدوار.. وليت الأمر توقف عند دور واحد بل لقد تجاوز ليصل إلى أدوار لا تنتهي، ولا يحملها ما يقام من أعمدة ولا ما كان سابقا من حجارة.. فأصبحت مثل هذه البيوت أمر خطير ومهددة لأصحابها في أي لحظة حتى إشعار آخر..
وطبعا كل ذلك في غياب الجهات المعنية الفنية والرقابية التي تشاهد كل هذا الفعل ولا تتدخل، إما بمنع البناء من الأساس دون ترخيص أو بوقف تجاوز الحد المسموح به في الارتفاعات، حسب كل منطقة وتصنيف.
هذا من ناحية أما من ناحية أخرى وهو البناء الجديد بالكامل فلقد أصبح الكثير من أصحاب هذا البناء خاصة المعد للبيع أو الإيجار يتعمدون الإخلال بالمواصفات الحقيقية ولو بتقليصها إلى أقصى حد، حتى إن بعضهم ورغم وجود خرائط إنشائية تحدد مواصفات المبنى، ومع مهندس مشرف فإنهم يستمعون للمقاول أو من يقوم بالبناء، والتي في جلها من العمالة الوافدة الذين يعملون على تقليص الجهد إلى حد كبير، فيخبروا صاحب المبنى أنه يمكن الاستغناء على كثير من الأعمال والمواد أو تقليصها خاصة في عدد أسياخ الحديد وطريقة عملها، حيث بعضها يتطلب طريقة معينة لاستعمالها تحتاج إلى جهد مضاعف فيه بعض الصعوبة لهؤلاء الذين يحاولون التخلص منها بإخبار صاحب المبنى أنها غير مهمة، واستغنوا عنها في عديد البيوت دون مشاكل.. فيستمع لهم ويمنحهم المواقفة لفعل ذلك رافضا ما يخبره به المهندس المشرف الذي يرفض هذا الفعل ويترك العمل، أو يكتفي بالمشاهدة ويكمل العمل وينال مقابله، ويذهب في حال سبيله، وهذا كلام أنقله –شخصيا- من واقع معاش.
فقد وجدت أن وجود المهندس المشرف في كثير من الأحيان لا يقدم ولا يؤخر، لأن صاحب العقار يهمه تقليص المصاريف والاستماع إلى من يخبره بذلك، أكثر من الاهتمام بالموصفات الحقيقية التي يخبره بها المشرف على البناء.. طبعا دون أن ننسى وجود مهندس مشرف، هو محدود جدا أصلا فكيف يحدث في مواقع لا مكان لمثل هذا الشخص ولاوجود لخرائط إنشائية أصلا.. إن ما يحدث عند البناء اليوم أصبح أمرا يتجاوز في الكثير منها كل القوانين الهندسية والعمرانية الخاصة بالبناء ومواصفاته وارتفاعاته.. إضافة إلى أن بعض البيوت تبنى بموصفات لأدوار محددة، ثم بعد فترة تتم إضافة أدوار أخرى لا وجود لها في أساس المبنى.. لهذا لا تستغربوا إن تكررت حادثة عمارة جنزور في أي مكان. لأن الواقع وما أصبح يحدث لا يقود إلا إلى مثل هذه النتيجة الكارثية خاصة في ظل غياب الجهات الرسمية والرقابية في مثل هذه الأعمال، التي أصبحت تتجاوز الحد ارتفاعا ومواصفات..
فإلى متى هذا الاستهتار بحياة المواطن واللا مبالاة من كل الجهات، مواطنين وجهات رسمية ورقابية..؟؟ حتى وجدنا انتشار ظاهرة المباني التي تعرضت للسقوط فعليا!
للكاتب أيضا: