* كتب/ عبدالوهاب الحداد،
خلال عام من العدوان على طرابلس خرج قائد المجرمين في أربع خطب صفرية مخاطبا أتباعه، محرضا مرتزقته المحليين والخارجيين على مزيد من سفك الدماء والقتل والتهجير والقصف العشوائي، والغارات الجوية لتحقيق حلم الدخول والسيطرة.
في أول كلمة بتاريخ الخامس من أبريل عام 2019، بثت كلمة حفتر صوتية مصحوبة بأرتال من العربات العسكرية الموردة من مصر والامارات والأردن.
في هذه الكلمة الأولى، وصف حفتر حربه بأنها (جهاد) وحشر مفردات وجمل مقتطعة من آيات قرآنية (… نزلزل الأرض تحت أقدام الظالمين الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد…) مشبها أهل طرابلس بثمود وعاد وفرعون، مطلقا على عدوانه اسم (الفتح المبين) في استعارة قرآنية خاطئة، فسورة الفتح نزلت بمناسبة صلح الحديبية لا في زمن الحروب.
ولأن قوته قد غرته، ظن أن مسافة الطريق فقط هي من تفصله عن دخول طرابلس، وبغرور غبي خاطب الأجانب في العاصمة ومنشآتهم مطمئنا بأن كل شيء سيكون على ما يرام!
ثم اختتم كلمته بأول آية نـزلت في أمر المسلمين بقتال أهل الشرك “ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين”.
لكن الأمر لم يسر كما خطط له حفتر وداعموه، فخلال الأشهر الثلاثة الأولى من غزوه لطرابلس، أسر من جنوده المائات، وقتل أكثر من ذلك، وغنم منه كل شيء تقريبا، أسلحة وذخائر وعربات مصفحة، بل ومستشفى ميداني متكامل، ثم طرد من غريان وفر قائد عملياته تاركا خلفه غرفة عملياته كاملة، كان يخسر على كل الأصعدة، فهب كل داعميه لنجدته وأرسلوا له أفواجا من المرتزقة من كل حدب وصوب، ليخرج حفتر في خطابه الثاني أواخر شهر يوليو عام 2019 صوتا وصورة هذه المرة، كما جاء الخطاب طويلا ومشحونا بالغضب رغم تفككه.
وإن غابت مفردة الإرهاب والإرهابيين في كلمة حفتر الأولى، فقد حضرت بقوة في كلمته الثانية، وزاد من جرعة المفردات والأوصاف الدينية، حيث وصف مرتزقته بـ”المرابطين” وبأنهم “المعتصمون بحبل الله” و “المؤمنون بواجبهم الجهادي” و “خليفة الله في الأرض”.
في كلمته الثانية اعترف حفتر من حيث لا يدري بقوة خصمه، فهم “عدو متوحش لم تشهد له الأرض مثيلا”.
في أخر جزء من كلمته هذه تحول حفتر وكأنه خطيب فوق منبر يوم الجمعة، مختتما خطابه بسيل من الآيات القرآنية، مخاطبا أعداءه “وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون”، ثم مواسيا أتباعه كما واسى الله أصحاب النبي بعد معركة أحد “ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون” و “إن الله مع الصابرين”.
محرضا مليشياته بألا تأخذهم تجاه عدوهم رأفة، فمن يتصدى لمرتزقة حفتر هو من “ظل السبيل وأغواه الشيطان وأخذته العزة بالإثم”.
أما آخر آية اختارها حفتر في خطابه فكانت قد نزلت في وصف اليهود حين قال تعالى “وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون”.
غاب حفتر بعدها حتى نهاية العام، حيث جاء خطابه الثالث في شهر ديسمبر، وكان قد بلغ به وبداعميه العجز عن تحقيق أي نصر يذكر، فخرج محرضا أتباعه بضرورة التقدم تنفيذا لساعة صفر أطلقها لهم من مخبأه في الرجمة.
الكلمة الثالثة لحفتر لم تأت بجديد عن الكلمة التي قبلها بخمسة أشهر، فحوت آيات قرآنية مكررة، وأوصاف قديمة لمقاوميه بالإرهاب والإجرام.
مع نهاية العام 2019 وقعت حكومة الوفاق الوطني اتفاقية مع الدولة التركية، ليجن جنون حفتر وداعميه، متناسيا توقيعه مسبقا لأكثر من اتفاقية مع أكثر من دولة على مدار أعوام مضت.
جاءت كلمات حفتر الثلاث السابقة متباعدة، إلا أن الاتفاقية الليبية التركية عجلت بخروج حفتر، فجاءت كلمته الرابعة -والأخيرة- في بداية يناير 2020، أي بعد شهر من كلمته السابقة.
في كلمته الأخيرة هذه أهمل حفتر الاستشهاد بالآيات القرآنية كما في كلماته السابقة، وتحول خطابه من الديني إلى القومي، مناديا على الشعوب العربية لنصرته في حربه..
وبدلا من خطاب الهجوم والتقدم والاقتحام استعمل حفتر لأول مرة كلمة “الدفاع” مناديا حتى على النساء بضرورة حمل السلاح!
إذا.. هي أربع مرات خرج فيها حفتر على أتباعه ليخطب فيهم خلال عام من بدء عدوانه على العاصمة طرابلس، ما يجمع بينها هو صعوبة مفرداتها على حفتر من حيث اللغة، فكاتب هذه الخطب لم يراع محدودية إجادة حفتر للغة العربية الفصحى، فنراه يرفع وينصب ويجر كما يحلو له، ويرتكب أخطاء لغوية ونحوية بدائية، إضافة إلى اختيار كلمات صعبة في تراكيب حروفها فيبلع حفتر بعضها، وجمل طويلة تحتاج لنفس لا يتناسب ورئتي حفتر، مما اضطره للوقوف في الأماكن الخطأ، ثم إعادة الجملة مرة أخرى حينما يعرف أنه أفقدها معناها.
لم يستطع حفتر في كلماته أن يقنع أحدا بمشروعية حربه، ولا أن يسوق أسبابا منطقية لهجومه العسكري، كما لم يتمكن من تسويق مصطلح الإرهاب أو إلصاق تهمة الإرهاب على من يدافعون عن طرابلس، هذه التهمة التي خاض تحتها كل حروبه السابقة.
كما يبدو أن حفتر قد وصل وأتباعه لقناعة بعدم جدوى خطبه، وعدم تأثيرها على الجبهة، بل وغالبا ما أتت بأثار عكسية، حيث فقدت مصطلح “ساعة الصفر” كل معانيها، وبات الأجدى أن يكون العام الماضي لحفتر هو “عام الصفر”.