الرئيسيةالراي

رأي- لا دولة بدون سردية وطنية

* كتب/ محمد أبوفلغة،

الحاجة الملحّة لبناء سردية وطنية نابعة من حقيقة أن للدولة وجهان: وجه معنوي ووجه مادي.

الوجه المادي هو نظام الحكم بمؤسساته وأجهزته المختلفة. أما الوجه المعنوي فهو السردية الوطنية أو العقيدة التي تلخص كيف يرى الشعب نفسه.

قد يقول قائل إن الوقت غير مناسب لهكذا نقاشات، وقد يصح القول؛ ولكن لا شك عندي أن الوضع الحالي في ليبيا، من تحارُب وتقاتل وانقسام، سينتهي عما قريب إلى استقرار، قد تتمخض عنه ليبيا مختلفة عن تلك التي عرفناها ونعرفها الآن من الناحيتين الجغرافية والديمغرافية. وحينئذ، سيضطر من تبقى منا لمعالجة مسألة الدولة وتشكيل الذات، أو السردية الوطنية في ظروف أقل مرونة.

هذه السردية هي العنصر “المعنوي” (الذي يقابل الجانب المادي -النظام- ويتممه) وهي بالتحديد ما افتقرت إليه ليبيا منذ استقلالها.

في العقود الماضية، كان الوجه المادي للدولة حاضراً بقوة في ليبيا. ولكن الوجه المعنوي غاب رغم محاولات النظام المتكررة لخلق سرديات مختلفة عبر آلة البروباجاندا الحكومية. بيد أنه لا يمكن اختصار “الدولة” في النظام، لذلك لا يمكن القول بأن ليبيا كانت دولة بالمفهوم الكامل للكلمة. لا يمكن للبروباجاندا الحكومية أن تنتج سردية وطنية. ذلك لأن السردية في حقيقتها هي محصلة تصور طوعي يكوّنه المواطن لنفسه أولا ولبلده وشعبه. هذا التصور يتحول إلى ولاء وشعور بالاعتزاز أو “الوطنية”.

تتطلب هذه السردية “وجود قدر معين من الإجماع العاطفي، الوجداني، الفكري بين المواطنين، على ما يقول المفكر المغربي “عبد الله العروي”، هذا الإجماع يشمل رؤية متقاربة للتاريخ وتخيلاً لمستقبل مشترك. يمكن، إذن، القول بأن السردية الوطنية تستوجب توافقًا عاماً حول الماضي والمستقبل. وهذا يدعم التوجه نحو طرح هكذا مسألة في مثل هذا الوقت، حيث الحاضر متقلب وغير ساكن، مما يدفع الناس للتشكيك في ما مضى وما سوف يأتي.

البداية من الماضي قد تسهّل المهمة. منها تنبع الحاجة لهيكلة التاريخ السياسي للبلاد وربط المراحل السياسية المختلفة وردم الفجوات الجيلية في التاريخ.

يتطلب الأمر خروجاً مؤقتا من الذات، واعترافاً بحسنات الآخر السياسي. قد يكون من الأجدر أن يتركز النقاش حول المناسبات الوطنية، ومنها 24 ديسمبر، في هكذا سياق، بدل محاولة ترسيخ سرديات مبتسرة، تفرّق ولا تجمع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى