الرئيسيةالراي

رأي- كي نفهم ما يحدث!

* كتب/ محمد جمعة البلعزي،

كنا نعتقد أن الإبادة البشرية في غزة.. ستوقظ ضمير العالم.. لكن إبادة جماعية أخرى تجري.. ونحن لا ندري إلا القليل!

أطفال يقتِلون.. بدم بارد.. مُسنّين وهم يتوسلون لإنقاذ حياتهم.. رجال مقيّدون يُعدمون رمياً بالرصاص.. جنود يسيرون فوق أكوام الجثث وأناس يحتضرون.. مشاهد مسجلة بالهواتف المحمولة تنتشر اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي.. قد لا يعلم أغلبنا بها.. لأنها تحدث في أفريقيا.. جنوب الصحراء الكبرى.. جرائم ضد الإنسانية، ترتكبها قوات الدعم السريع السودانية ضد سكان دارفور الأصليين.. غرب البلاد.. لكن للصراع جذور عميقة..

أولى عمليات التطهير العرقي واسعة النطاق تعود إلى عام 2003.. حينها قامت ميليشيات تسمى جنجويد.. بدعم من القوات الحكومية.. بتدمير قرى وذبح واغتصاب أفراد من عرقيتي “المساليت” و”الفور”.. لم يفعل العالم حينها شيئاً يُذكر لوقف المذبحة.. أواخر 2007 استجابت الأمم المتحدة بإرسال بعثة حفظ سلام لضمان وصول مساعدات إنسانية وحماية المدنيين.. وقتها كان الجنجويد قد قضوا على 200 ألف شخص.. عام 2005 بدأت المحكمة الجنائية الدولية إجراءاتها بتهمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.. خضع رئيس السودان آنذاك.. عمر البشير.. لمذكرة توقيف دولية منذ 2009.. فعارضتها روسيا والصين وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي.. لأن التعددية القطبية تعني أن كل دولة تدافع عن قادتها المتورطين في الإبادة الجماعية.. صراع دارفور معقد للغاية.. كغيره من الصراعات في بلدان أفريقيا وراء الصحراء.. فهو ينطوي على أزمة بين مزارعين مستقرين (سكان دارفور الأصليين) ورعاة رحّل (أبالة وبقارة وبعض الزغاوة..)، تدهورت العلاقات بين الفئتين بشكل كبير في ظل أزمة مناخ وتصحّر أثّرت في منطقة الساحل.. لتؤجج العنف في جميع أنحاء المنطقة.. يُضاف إلى ذلك قضايا ثقافية: البقارة يُعرّفون أنفسهم كعرب.. عكس المجتمعات الأصلية.. رغم أن كلتا المجموعتين مسلمتان.. في الواقع.. كانت دارفور سلطنةً مهمةً منذ العصور الوسطى حتى 1916.. إلى أن ظهر عاملٌ آخر: الاستعمار البريطاني.. ارتكب البريطانيون خطأً بدمج دارفور في المستعمرة الأنجلو- مصرية في السودان -إلى جانب أراضٍ أخرى متفرقة.. بل ومعادية- كالتي تسكنها مجتمعات بجنوب السودان..  بعد استقلال السودان عام 1956.. عصفت الحروب الأهلية بالبلاد بلا هوادة.. اشتعلت الإبادة الجماعية في دارفور من جديد مع انهيار السودان عام 2023م، وتقسيمه بين قوات الدعم السريع والقوات الحكومية.. كلاهما ارتكبا فظائع.. لكن قوات الدعم كانت أسوأ الجناة.. كان المساليت الضحايا الرئيسيون لهذه الإبادة الجماعية الجديدة.. قتلت قوات الدعم السريع عدداً لا يحصى من أفراد هذه المجموعة العرقية.. حيث يتّمت الأطفال واغتصبت النساء بشكل ممنهج.. المشاهد المروعة التي نشهدها هذه الأيام تعود إلى سقوط مدينة الفاشر.. كانت الفاشر تحت حصار دام أشهراً.. كان العالم يعلم ما سيحدث.. لكنه لم يتخذ أي إجراء..

في نوفمبر 2024.. استخدمت روسيا حق الفيتو ضد اتفاق للأمم المتحدة لوقف إطلاق النار وحماية المدنيين.. دعمت الإمارات العربية المتحدة قوات الدعم السريع لسنوات في إطار خطتها التوسعية بشمال شرق أفريقيا.. استفادت الصين من بيع الأسلحة لكلا الطرفين.. في حين تتزايد أكوام الجثث.. هناك فرق بين جرائم الإبادة الجماعية في التسعينيات وجرائم اليوم.. جرائم التسعينيات لا تزال تتصدر الأخبار وتصدمنا رغم وقوعها في أماكن بعيدة (رواندا.. سيراليون.. تيمور الشرقية)، حُشدت من أجلها الموارد.. ونشرت قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة.. وأنشئت المحاكم.. وتوصلت إلى اتفاقيات دولية.. لم يُنجز منها الكثير.. لكن هل حدث شيء حيال ما جرى؟ العالم أصبح تسوده أقذر الجيوسياسات واللامبالاة.. وقد لا نكون قادرين على فعل الكثير ضد الجيوسياسية.. لكننا وحدنا المسؤولون عن هذه اللامبالاة! ربما يأتي دورنا قريباً.. لأنها تدور يا ملوك الطوائف!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى