* كتب/ منصور أبوشناف،
في أحد هوامش رواية “يوليسيس” الشهيرة للايرلندي “جيمس جويس” يشرح هذه الكلمة المهجورة قائلا إن “الكوكستول” عبارة عن كرسي للعقاب يربط عليه المذنبون لتلقي العقاب كل يوم من الصباح إلى المساء.
كل ذلك لايتم في مراكز البوليس أو السجون بل أمام بيوتهم ويجب على المارة أن يضربوهم أو يبصقوا على وجوههم أو يشتمونهم وذلك “أضعف الإيمان” .
الضرب والشتم والبصاق عقوبات معروفة ولم تتوقف البشرية عن ممارستها بكل أسف عبر التاريخ, ربما تقل ممارستها كلما تقدمت البشرية وازدادت إنسانية إدارتها لشؤونها ولكنها لم تنقرض تماما حتى بعد “جويس”, بل وحتى الآن .
قسوة العقوبة ليست في الإيذاء الجسدي للمذنب بل في الإيذاء النفسي وآثار ذلك العقاب على المذنب اجتماعيا, فأن يعاقب أمام بيته وأهله ووسط جيرانه ومعارفه, بل وينزلون به هم هذا العقاب ذلك هو العقاب الجحيمي الحقيقي .
الفيلسوف الفرنسي أو مؤسس علم الاجتماع كما يشار إليه دائما “اوجست كونت” اقترح مرة أن يكتب على ظهر المذنب نوع جريمته ويجبر على التجول بين الناس حاملا ذلك الوسم فيكتب على ظهر السارق سارق والزاني زاني مثلا ليميزه الناس.
العرب عرفوا نظام عقوبة “التعزير, بل إن نظام الحدود الإسلامي لا يختلف كثيرا عن كرسي الكوكستول”.
التشهير بالمتهم لازال يقوم بعمل كرسي “الكوكستول” ولازالت المجتمعات الإنسانية تمارسه وتطور تلك الممارسة, فبدل كرسي “الكوكستول” وبدل الكتابة على الظهر وبدل التشهير بالمذنب بالتعزير أو الجلد أو الرجم أمام بعض الناس كما كان, صار هذا الكرسي محطات للراديو والتلفزيون وبالتأكيد الجرائد والمجلات, صارت الأقمار الصناعية تمارس دور هذا الكرسي فمذنب الهند مثلا سيشاهده الأمريكي والاسترالي وحتى العربي والليبي ويبصقون عليه عبر الشاشات .
الليبيون عرفوا هذا الكرسي كما أسلفت عبر كل عصور تاريخهم فكان الشتم والبصاق والجلد والرجم وكل وسائل التشهير قد مارسوها على من يدان منهم.
مع سبعينات القرن الماضي شرع النظام السابق في تطبيق الحدود الإسلامية وكان الجلد يقام في مراكز البوليس وتتم دعوة الناس للمشاهدة, وكل ذلك لا جديد فيه على أية حال في ذلك الوقت .
النقلة الهامة في تطوير هذا “الكوكستول” حدثت في الثمانينات حين تحول التلفزيون إلى “كوكستول” مرعب فصارت اعترافات المتهمين السياسيين تعرض على التلفزيون كتشهير بهم باعتبارهم عملاء وخونة, كانت عصا الجلاد تبدو واضحة أمام الضحية رغم عدم ظهورها المباشر على الشاشة، ظل اولئك المتهمون يتلقون الكثير من الشتم والبصاق وتأجيج الرأي العام ضدهم وضد عائلاتهم .
التلفزيون ليس الليبي فقط بل كل تلفزيونات العالم كانت ولازالت “كوكستول” تمارس التشهير بالمتهمين وتشحن الرأي, العام ليس المحلي بل العالمي ضدهم وتعتبر تلفزيونات أمريكا من أكثرها ممارسة لدور هذا الكوكستول .
الليبيون تميز قطاع كبير منهم عبر التاريخ بالتبليغ وكتابة التقارير الأمنية ضد خصومهم في الاجتماع أو الاقتصاد أو السياسة، فكانوا يشون ببعضهم البعض للحاكم من أجل القضاء على خصم ما, فقط وللأمانة كان غالبهم يمارسون ذلك بسرية خجلا من “الوشاية”, لتشهد الوشاية تطورا لافتا فترة الثمانينات وتحولت المؤتمرات الشعبية والعمل الثوري إلى ممارسة الوشاية بشكل معلن في الصحافة والتلفزيون.
بعد فبراير شهدت الوشاية تطورا مذهلا فصار المحللون والسياسيون ورجال الدين وحتى المطربين والمطربات والممثلين والممثلات وشاة، يتربعون في شاشات التلفزيون ويقرأون تقارير وشاياتهم علنا ضد خصومهم وضد مدنهم وقبائلهم.
ورغم كل ذلك ظل التلفزيون “كوكستول” صغير بعد اكتشاف منصات التواصل ليصل التشهير والتحريض على “الخصم” أو “المختلف” أحط مايمكن الوصول إليه من “تبديع في التشنيع”. وغالبه يعتمد التزوير والكذب .