الرئيسيةعيون

رأي- قضية هنيبعل القذّافي أيضاً

 

طلبت ليبيا مجدّداً من لبنان تسليمها هنيبعل القذّافي، المحتجز عشوائياً، أو ترحيله إلى بلد ثالث. ويرفض لبنان تسليمه وفق بيان مصدر قضائي (مجهول وغير مفهوم) يشترط الحصول أولاً على معلومات في قضية اختفاء الإمام موسى الصدر، ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، المختطفين والمخفيّين قسراً في ليبيا منذ 31 أغسطس 1978.

 

* كتب/ يقظان التقي

وبذلك عاد ملفّ نجل معمر القذّافي، الموقوف في لبنان منذ عشر سنوات، إلى الواجهة، مع المراسلة الليبية الجديدة، التي تُطالب بإطلاق سراحه سريعاً، محمّلةً السلطات اللبنانية “مسؤولية تدهور وضعه الصحّي، وما قد يتعرّض له منذ اختطافه من سورية عام 2015، ونقله إلى لبنان، وتوقيفه بجرم كتم معلومات”.
يقول المصدر إن “كلّ ما يريده القضاء اللبناني من القذّافي الإدلاء بما لديه من معلومات عن مصير الصدر ورفيقَيه”، ويستند إلى فرضية تتطوّر سلباً في الطريق لجمع المعطيات إلى القول إن القذّافي الابن “مستعدّ لتقديم معلومات بعد الإفراج عنه ومغادرة لبنان”، خصوصاً أنه كان مسؤولاً عن السجون السياسية، وآخرها سجن جنزور. وبهذا، يدين القضاء اللبناني نفسه، ويسجّل فضيحةً بأن يحتجز شخصاً طوال هذه المدة غير القانونية، ولم يوفّر استمرار حجزه أيّ معلومة، ولو محدّدة، يمكن الاعتماد عليها في التحقيق، وما هو جريمة أن يُعلّق مصدر سياسي على القضاء، فيهين رجال القانون واللبنانيين، انتهاءً باستعصاء الإفراج عنه.

بدا أن مضمون بيان المصدر يقع في هفواتٍ وانتهاكاتٍ واعتداءٍ على الحريات العامّة، مخالفاً التشريعات النافذة في قانون العقوبات التي لا تجيز في أحكامها الحبس أكثر من ثلاث سنوات في الحدود القصوى على الجُنَح، في منحى تعسّفي يتمادى في الخطأ، والمفترض أن يتصدّى له الجسم القضائي، وتدبّ فيه حميّة إعادة التوازن إلى الشخصية القانونية المحدّدة، بمعناها الإيجابي، وليس التوظيف السلبي في شخصية القذّافي الممزّقة، بلا ظلٍّ قانوني، خارج النظام العام، ويخرج بالقضية إلى أماكن غير متوقّعة تسيء حقيقةً إلى سمعة لبنان.
صارت مثل هذه البيانات معروفةً، تعكس الواقع القضائي اللبناني، الذي تشوبه ظلمة وكسور سياسية وشظايا وتراجعات وإخفاقات.

إنها لعبة السلطة السياسية، وما إليها، وما عليها، قبل أن ينتفض القضاء، ويكون له ما يستحق. والصرخة مطلوبة من المحقّق العدلي في القضية، القاضي زاهر حمادة، المعروف من زملاء المهنة بـ”نزاهته ومناقبيّته وشفافيّته” في وجه هذه الطغيانيّة، ومطلوب منه عدم التمادي في المعنى السياسي الحاسم، الحجز غير الحرّ، وإطلاق سراح هنيبعل من دون شروط ولا كفالة، وأن يتوقّف عن خدمة “سواه”، ممّن يحاولون أن يلتقطوا الصوت في رسالة من لا يريد البحث عن حقائق. والمقصود بذلك منع مهمّة إطلاق القذّافي، وما يرتبط بها من “مصادر تأويل دوغمائية”، وتوظيف اللسانيات القانونية في نزعات تخنق “الإنسان القانوني”، والأحكام في ذاتها القانونية والعادلة على تبعيّة سياسية. وهو أمر غير مقبول، على القضاء أن يتطهّر منه، والقاضي حمادة بعيد منها في أهليته ولغته وثقافته القضائية.

يعيش الشاب الليبي في ظروف مزريةً، حياة بائسة غير مقبولة، ولا علاقة له بممارسات والده الطاغية، ولحظة اختطاف الصدر ورفيقيه جاءت وهو كان بعمر السنتَين. وهناك من يحاول أن يقنعه بأن ينتحر، ليس من أجله أو من أجل القضية. بمعنى آخر هناك من يريد أن يستثمر وضع هذا الرجل البائس لخدمة أغراضه. إن الخطأ القضائي جسيم، واللاواقعية عميقة، وعلى رجال القانون الذين يعدّون أمراً قانونياً إبعاد اعتبارات العدالة من التحايل، وعدم نسيان “الإنسان القانوني” في شخصية القذّافي، وحقّه في الأمان والإعلام واحترام الحياة والكرامة والحرية، والقليل الذي يجعلنا جميعاً موجودين نتعرّف على قيمنا المشتركة. فما عادت مسألة إطلاق سراح القذّافي تحتمل التأجيل عبر بيانات ساذجة في ظلّ حكم الرئيس جوزاف عون، القوي، وبخلفية القَسم والإصلاح، والأمر قد يحتاج إلى تدخّله شخصياً للإفراج عنه، ووضع حدّ لاعتقاله الفجّ والمبالغ فيه. وبيان المصادر يريد أن يقول شيئاً، وصل إلى الحدّ من استقلالية القضاة وحرّياتهم، وجعلهم في تبعية، سواء لنظام سياسي أو لحزب أو أيديولوجيا، أو لجهة معينة اقتصادية ومالية.
نظنّ أن استقلاليّة القضاء اللبناني على المحكّ، ما يجعل مسألة الإصلاح معقّدةً ومتفاوتةَ البروز ومتباينة الظروف، تتصّل بكل ما يحيط بتلك القضية المتشابكة، وعلى تماس مع الحرب، بكلّ ما يعني أمكنتها وأزمتها وناسها ووسائطها. فهل يستطيع القضاء اللبناني أن يكون مستقلّاً فيفرج عن هنيبعل القذّافي وسط البيانات المتناقضة كلّها؟…

ما معنى أن يكون القضاء مستقلّاً ولا يستخدم وسائل قانونية، وما المعوّقات التي تحول دون إطلاق سراح الرجل وتعترض سبيله إلى التحرّر (صعوبة سحب الملفّ المحال بموجب مرسوم حكومي ٳلى المجلس العدلي)؟

بالأساس، كان احتجاز القذّافي عملاً سياسياً ومخابراتياً خارجياً أيّام النظام السوري السابق، والحلّ قد يأتي عبر القنوات السياسية المفتوحة بين الرئاستَين الأولى والثانية. هذا لا يستدعي من رئيس مجلس النواب، نبيه برّي، أيّ تنازلاتٍ أو تراجعاتٍ، ولا يعني مطلقاً أيَّاً من أشكال التواطؤ وتبرئة المسؤولين الليبيين عن الفظائع والارتكابات، وتحميلهم كامل المسؤولية عنها. لكن ليس عبر بدعٍ يلفظها القانون تمسّ بحرّية القذّافي (الابن)، وما يشكّل خطراً على حياته، وأن يتحوّل اعتقاله شكلاً مستديماً. والظنّ أن هذه الممارسات لا تخدم القضية الأمّ، وترتبط بذهنية عمل المليشيات أثناء الحرب، وهي أخطر ما يمكن أن تتعرّض له المؤسّسة القضائية واستقلالها وجوهرها، وتثير كثيراً من التناقضات داخل المجتمع اللبناني والمخاوف، كأنّها أدوات استمرار الحرب، وإعلاناً لأحاديات في القرار الوطني العام.

المسلك المطلوب الذي يستوجب التشجيع عليه هو الذي يكون فيه مجال تأويل القانون رحب، يدلي فيه القضاء الليبي بدلوه في بحثٍ مشتركٍ عن الحقيقة، وإعطاء المحقّق العدلي اللبناني حريته الكاملة لتطوير فكرة التعاون المتعثّر مع القضاء الليبي، وترسيخ فكرة ثابتة، أن العدالة لا تمحى في قلوب الناس.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشر على موقع العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى