الرئيسيةالراي

رأي- قراءة عميقة لما يحدث في سبها والجنوب الليبي

قراءة عميقة لما يحدث في سبها والجنوب الليبي

 

* كتب/ عبدالحميد لابيرش

 

يعتقد الكثير من الليبيين أن الصراع في مدينة سبها الواقعة بالجنوب الغربي لليبيا هو صراع قبلي بين قبيلتي اولاد سليمان والتبو والحقيقة بعيدة كل البُعد عن كل ما يتم تداوله من بعض وسائل الإعلام وبعض الشخصيات التي تحاول أن تبعد الليبيين عن أي تحرك من الشرق أو الغرب لتأمين الجنوب وفرض الامن فيه، في حالة مماثلة لما حدث سابقاً بمدينة الكفرة قبل أن تُفشل المؤامرة.

الواقع في المشهد الحالي بالجنوب مُعقد جداً حيث في الوقت الذي نجد فيه أن سكان الكفرة استطاعوا إثبات ان الصراع بمدينتهم ليس قبليا، وقد اجتازوا هذه المرحلة، نجد هناك محاولات بالجنوب الغربي لازالت مستمرة من بعض الذين نستطيع أن نصفهم بمن خانوا الوطن وباعوه محاولين تشتيت الأنظار عن وجود مقاتلين مرتزقة أجانب يُقدر عددهم بالآلاف تمت الاستعانة بهم من أطراف قبلية وعسكرية وسياسية وشاركوا في عدة حروب مختلفة.

بداية مسلسل الحقيقة المُرة في الجنوب الغربي وبشكل مبسّط تقول إن كافة سكان فزان لا يستطيعون العبور إلى ما بعد بوابة السبعطاش الواقعة 17 كم جنوبي سبها إلا بعد دفع الإتاوات، وجميع من يملك مزارع في مناطق المثلث وغدوة والمشروع الزراعي يدفعون الإتاوات مقابل استخراج محاصيلهم الزراعية، وهناك بعض منهم من تم الاستيلاء على مزرعته وأملاكه بالمناطق المذكورة، وهذا الكلام ينطبق على كافة سكان سبها بجميع قبائلها والجميع متضرر من هؤلاء المرتزقة، كما أن هناك ثكنات ومعسكرات ومواقع حساسة بمدينة سبها تحت سيطرة هذه المجموعات، ومن أبرزها فندق الجبل والكلية الجوية والمطار العسكري ومعسكر الدعوكي وكلية الزراعة والشركة الهندية.

المنطق يقول أن اعداد قبيلة التبو في كافة أنحاء ليبيا قبل عام 2010 يُقدر عددهم بقرابة 10 آلاف نسمة “هناك مستندات موجودة لدي تثبت ذلك” بحسب إحصائيات معتمدة من السجل المدني قام بها النظام السابق، فكيف لهذا العدد أن يستطيع المشاركة في القتال في الكفرة وضواحيها وسبها ومرزق وتراغن وأوباري وازويلة ويستولي على عدد من الحقول النفطية؟ فكافة الحروب بالجنوب كانوا هم طرفاً فيها، فمن أين أتوا بهذه الأعداد من المقاتلين الذين وصلت أعدادهم إلى عشرات الآلاف؟ وهذا ما يثبت أن هناك أطرافا استعانت واستقوت بالأجانب.

بعيداً عن الأدلة الدامغة التي فرضت نفسها تباعاً بالصوت والصورة والتي تثبت وجود المرتزقة لنبدأ من قريب حيث الاجتماع الأخير بين أعيان من المنطقة الشرقية والجنوب مع شيخ قبيلة التبو “الزلاوي” وخلال الفيديو المتداول للاجتماع قالوا له صراحة باللهجة العامية “في أشخاص برانية عليكم هم سبب كل ما يجري” رد الزلاوي على ضيوفه وقال لهم “إن قبيلتنا تتواجد في ليبيا وتشاد والنيجر ولا فرق بينهم في أي شيء”.. والفيديو موجود.

وللرجوع إلى مدينة سبها نجد أن المطلب الرئيسي لوقف إطلاق النار في سبها هو انسحاب اللواء السادس من مقراته وانسحابه من القلعة مقر كتيبة فارس سابقاً، الأمر الذي يرفضه اللواء السادس والمنتسبين فيه كونهم يعلمون الهدف من هذا المطلب، واللواء السادس مشاة بحسب تقديري يعتبر آخر الحصون في الجنوب الغربي الذي من الممكن أن يقف في وجه هذا المد والتغيير الديمغرافي المُمنهج، فمن “الجنون” أن يتجمع مسلحون أغلبهم أجانب من مدن مرزق والقطرون وازويلة وأوباري وتجرهي وضواحي سبها ومدن أخرى ويطالبون بانسحاب اللواء السادس مشاة من مقراته، والسؤال الذي يطرح نفسه بالليبي: “شنو عندك أنت كقوة متجمع من عدة مدن وجاي لمدينة أخرى وتطلب انسحاب قوة من وسط سبها”؟.. حتى أستطيع أن أصف لكم هذا الجنون.. فعلى سبيل المثال هل يُعقل مثلاً قوة من مدينة العجيلات أو زوارة أو صبراتة أو ما شابه من المدن في تلك المنطقة أن تشتبك مع قوة داخل مدينة الزاوية أو غريان وتطالبها بالانسحاب من معسكراتها مقابل وقف إطلاق النار، وهنا من باب المصداقية لا بد أن نشير إلى أن اللواء السادس مشاة أغلب منتسبيه من قبيلة أولاد سليمان ولديه قيادة عسكرية مكونة من ضباط وضباط صف.

وللعودة إلى المد الذي نجح في عدة مدن وبدأ بعد انتشار السلاح عقب ثورة فبراير وبعد الفراغ الأمني في البلاد، هذه المجموعات المسلحة وجدت أرضا خصبة للتمركز في تجمعات مسلحة في عدة مناطق، والقصة بدأت عندما قام عدد من أبناء التبو الليبيين بجلب أبناء عمومتهم من تشاد والنيجر وتوطينهم بأعداد كبيرة تُقدر بالآلاف في عدة مدن وتحصلوا على مواقع وتم تجنيدهم في عدة كتائب تحت مُسمى كتائب الثوار وجيش وطني وهذا الدعم لازال مستمر إلى يومنا هذا تحت مُسمى حرس حدود وحرس منشآت النفطية والعديد من التسميات الاخرى، وعلى سبيل المثال هناك كتيبة بأكملها تحت أمرة ضابط منشق عن المخابرات التشادية أسمه ” اللاشي المهدي ” الان هو أمر كتيبة شهداء القطرون وتم سجنه من قبل النظام السابق قبل الثورة بعدما كان في زيارة عمل رسمية إلى ليبيا استمر سجنه إلى أن خرج بداية الثورة وانخرط في الصراع بالجنوب وقام بتكوين الكتيبة المذكورة سلفاً و نشطت على الحدود، وفي شهر مايو عام 2013 قبض رئيس اللجنة الامنية انذاك “هاشم بشر” في طرابلس على “اللاشي المهدي” بعد أن تم كشف أمره على أنه قيادي سابق بالمخابرات التشادية، قبل ان يتم اطلاق سراحه بعد وساطة من عدة أطراف ولازال إلى يومنا هذا موجود بمدينة القطرون ويعتبر من أخطر الشخصيات التي تُشكل خطر على أمن الجنوب وحاول جاهداً تجنيد أكبر قدر ممكن من الاجانب في كتيبته التي تورطت في القتال في عدة مناطق.

هذه الاعداد الكبيرة من المرتزقة تحصلوا على الاموال والدعم واستوطنوا في بعض المدن وأكثر المدن تضرراً كانت مدينة مرزق، ويشكل الفزازنة الغالبية المطلقة لسكانها قبل الثورة بنسبة حوالي 80% بحسب بعض الاحصائيات، أما الان الفزازنة يعتبرون أقلية في مرزق بعد التغيير الديمغرافي الذي حصل بالمدينة ومضايقة وتهجير كل من يطالب بخروج الاجانب، حتى عميد بلديتها الرئيسي لا يستطيع مزاولة عمله من مرزق.

اما عدم اهتمام وجدية الدولة في فرض الامن بالجنوب بحسب وجهة نظري أن الصراع بالجنوب ليس هناك أي مصلحة للاطراف السياسية المتصارعة في الشمال صاحبة القرار والنفوذ السياسي والعسكري، وهناك حقيقة وصل لها الكثيرون من سكان الجنوب هيا أن تدهور الوضع الامني والإنساني منذ مدة في الجنوب هو امر مُمنهج ومدبر ويسري تحت بند المؤامرة، ويأتي ضمن إطار التغيير الديمغرافي والتهجير من الجنوب إلى مدن الشمال، كما أن أصحاب القرار يحاولون تفادي الدخول في مستقنع الجنوب بشكل أو بأخر.

بالنسبة للمعارضة يعتقد الكثير من الليبيين أن وجود حركات المعارضة في الجنوب الليبي يتركز على حركة واحدة وهذا من الخطأ، والصواب يقول أن هناك أكثر من حركة وفصيل معارض للنظام التشادي، وهناك تواجد عدد من قادة المعارضة العسكريين والسياسيين، إضافة إلى حركة تحرير السودان والتي تشكل أغلبية للمعارضة السودانية المتواجدة في ليبيا مقارنة بحركة العدل والمساواة التي تعتبر شبه انتهت قبل أربعة أعوام خلال معارك لها مع الجيش السوداني.

الان وفي هذه الظروف الحقيقة التي لا يعلمها الكثيرين ان التبو غير الليبيين أصبح عددهم أكثر من التبو الليبيين أضعاف مضاعفة وأصبح التبو الليبيون مغلوب على أمرهم ولا يملكون سلطة القرار ولا النفوذ ونستطيع نقول أن التبو الليبيون في القطرون فقط هم من استطاع قبل عامين تخليص أنفسهم بشكل جزئي من الاجانب بعد طردهم من البوابات المنتشرة في ضواحي مدينتهم عندما فُرضت عليهم الاتاوات في ذلك الوقت وتضرروا منهم بشكل مباشر.

وخطورة هذه المجموعات تكمن في محاولات توطينها بشكل أو بأخر تحت أي مُسمى وقد كانت هناك عدة مطالبات خلال السنوات الماضية للحصول على الرقم الوطني عبر عدة طرق، أهم هذه المحاولات عندما أُغلقت عدة حقول نفطية ومواقع حيوية طالبوا فيها بشكل واضح وصريح بالحصول على الجنسية الليبية والرقم الوطني تحت ذريعة “أن القذافي كان يضطهدهم”، إضافة إلى تغلغلهم داخل مصلحة الأحوال المدنية وهناك اطراف ساعدتهم في الحصول على أرقام وطنية.

الليبيون بشكل عام في شرق وغرب البلاد منهم من يعلم ويفهم بالتركيبة السكانية للجنوب الليبي ويدرك أن هناك تبو ليبيين وأخرين غير ليبين، ولكن أغلبهم لا يعلم أن هناك أعدادا كبيرة تتواجد في الجنوب تحت اسم التبو ولكنهم من قبائل أخرى مثل القرعان والاوجنيقة والمرديا والزغاوة والكريدا وبعض القبائل الأخرى في شمال تشاد وهذه القبائل أهل المنطقة الجنوبية يعرفون تركيبتها بشكل مفصل، وبسبب المُعتقد السائد لهذه القبائل بمنع وتحريم الزواج من الأقارب إلى الجد السابع فهي تلجأ إلى النسب مع قبائل أخرى في شمال تشاد ولأن لديهم معتقد آخر وهو الولاء يكون للخال، فتجد أن هناك ترابطا قويا ومتينا فيما بينهم وتجد من هو تشادي منهم أو من النيجر يعامل كأنه ليبي، ويحق له في كل شيء ويصل تعدادهم في تشاد فقط إلى أكثر من 5 مليون نسمة، وخلاصة هذه النقطة أن من يحاول التحذير من وجود مقاتلين أجانب نجده يحاول أن يقنع الليبيين أن هناك تبو غير ليبين دون أن يذكر القبائل الأخرى؛ لأن الموضوع معقد ويصعب أن يتفهمه أهلنا في الشمال.

هذه المجموعات المسلحة تعتمد في كسب المال والعيش منذ مدة بشكل كبير على أعمال الحرابة وقطع الطرق والتهريب والهجرة غير الشرعية إضافة إلى نشاطها في مجال التنقيب عن الذهب بالمناجم المتواجدة على الحدود الليبية التشادية وذلك لتمويل نفسها، وحالة الجوع والفقر في شمال تشاد والنيجر أجبرتها على الهجرة إلى ليبيا والاستيطان فيها بحكم استغلالها لحالة الانفلات الأمني في البلاد، على أمل إيجاد فرص أفضل للعيش هنا، وعلى أمل انتظار استقرار البلاد وفرض الأمن فيها نجد أن هناك أمرا خطيرا حدث طيلة السنوات الماضية هو أن العديد منهم تحصل بشكل أو بآخر على مستندات ليبية بطرق غير قانونية بعد استيلائهم على بعض فروع مصلحة الأحوال المدنية.

من وجهة نظري أرى أن المعركة الأهم لتأمين الجنوب في الوقت الحالي هي بمعسكر مصلحة الأحوال المدنية، فيجب تطهيرها وتحصينها من أي اختراق حتى لا يحدث ما لا تحمد عقباه، وتصبح ليبيا بلداً يسكنها أكثر من 10 مليون نسمة بين ليلة وضحاها أغلبهم من دول الجوار.

أعتقد أن من أهم الأسباب لتزايد أعداد المقاتلين الأجانب في الجنوب الغربي هي “السلبية” لدى أهل الجنوب الغربي والكل يتخذ من قاعدة “أخطى راسي وقص” إضافة إلى الصراعات القديمة بين بعض القبائل على رأسها الخلافات بين قبيلتي أولاد سليمان والقذاذفة والحساسيات مع قبائل أخرى بسبب مواقف مؤيدة ومعارضة للثورة.

مهما طالت الفوضى فمصير هذه المجموعات سينتهي عند النهوض بالبلاد وفرض الأمن في كافة ربوعها، وبسط نفوذ الدولة على حدودها، وتنظيم الحياة فيها، عندها يُطبق المثل السائد “الليبي ليبي. والشامي شامي” ويخرج كل من أتى بشكل غير شرعي، فعلى كل الليبيين أن يعلموا أن ضياع الجنوب يعني ضياع ليبيا وثرواتها من النفط والمياه ولا أمن لليبيا إلا بتأمين الجنوب.

الشيء الإيجابي هو أن أغلب الليبيين بكافة توجهاتهم أدركوا حقيقة ما يحدث بالجنوب، حتى لو كان هذا الفهم ليس بشكل متكامل، كما أنه ليست هناك صعوبة لإيصال الحقيقة لهم مثل ما حصل في السنوات الماضية، والخطوات القادمة في حاجة ماسة إلى إعلان التبرؤ من الأجانب والوقوف ضد كل من يقوم بالاستقواء بالأجنبي أو الاستعانة بهم.

1_3_2018

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى