* كتب/ أنس أبوشعالة،
التشريعات تنقسم إلى درجات، أعلاها الدستور ويليه القانون ثم اللائحة وأدناها القرار الإداري..
السلطات المختصة بإصدار التشريعات تخضع في تشريعاتها بمختلف درجاتها حسب الموضح أعلاه لرقابة القضاء حسب الاختصاص،
القوانين تصدر عن السلطة التشريعية وتخضع لرقابة القضاء الدستوري، متى خالف نص القانون لنص دستوري أو لقاعدة ومبدأ وحق دستوري راسخ في ضمير البشرية والشرائع السماوية، وإن لم يكن منصوص عليه صراحةً في الدستور المكتوب.
اللوائح والقرارات الإدارية تصدر عن السلطة التنفيذية وتخضع لرقابة القضاء الإداري متى خالفت نصا من القانون، بشرط أن يرفع الطعن من ذي صفة ومصلحة خلال ستين يوماً من تاريخ نشر القرار.
إلى هنا ليس ثمة إشكال في تنفيذ وإعمال هذه المبادئ القانونية الراسخة، ويبقى الإشكال العملي في أمرين:
أعمال السيادة والأعمال البرلمانية..
نظرية أعمال السيادة ليست بدعة مستحدثة ولا ناتجة عن مدرسة استبدادية، بل هي نظرية قانونية تجد أساسها في الفقه الفرنسي منذ قديم الزمان، وهذه النظرية تقضي بعدم ولاية القضاء بالمطلق في النظر في القرارات التي تعد من قبيل أعمال السيادة، والحقيقة أن تعريف هذه الأعمال بشكل جامع مانع منضبط ومحدد مسألة مستحيلة تقريباً، والمقاربة التي اتفق عليها فقهاء القانون لتعريف أعمال السيادة أنها تلك القرارات التي تتخذها السلطات العليا للدولة المتعلقة بإدارة شؤون الدولة في وجودها وسلامة كيانها وأمنها وسيادتها ودفع الأخطار عنها، مواجهة الحروب والأوبئة والكوارث الطبيعية وإقرار السلم وإعلان الحرب وإعلان حالة النفير والتعبئة العامة وفرض السرية على معلومات تمس الأمن القومي للدولة، واتخاذ تدابير حفظ وصيانة أمن الدولة، وما إلى ذلك من قرارات تُعنى بحفظ وصيانة الدولة أرضاً وحدوداً ومؤسسةً ووجوداً، جميعها يخضع لتقدير السلطة الحاكمة لكيان الدولة، والمعطيات والأسس التي تُبنى عليها تلك القرارات ليس لزاماً أن يُكشف عنها، بما يمنع عن القضاء الخوض فيها وبالتالي عدم ولايته بالنظر فيها أساساً .
الأعمال البرلمانية، و هي تلك الأعمال التي تدخل في صميم العمل البرلماني (غير التشريعي) ومنها على سبيل المثال: استجواب الوزراء، وسحب الثقة عن الحكومة ومنح الثقة لأخرى، وتشكيل اللجان البرلمانية، وأعمال التصويت على القرارات والقوانين، وآلية التصويت واحتساب الأصوات، وغيرها من الأعمال التي تخضع لمعايير السياسة، والكتل الحزبية والأغلبية البرلمانية، وهي شؤون ذات طبيعة سياسية محضة لا يليق للقضاء أن يخوض فيها، احتراماً لمبدأ الفصل بين السلطات في شؤون كل سلطة داخلياً ومرفقياً وتسييرياً، و بالتالي فإن الأعمال البرلمانية لا تخضع لرقابة القضاء حسب وجهة نظري المتواضعة، حتى لا يكون القضاء أداةً تُستخدم لتصفية الحسابات السياسية، خصوصاً وأن أساس عمل القضاء الفصل بين الحق والباطل، وأساس السياسة الجمع والتوفيق بين الرأي والرأي الآخر، وفقاً لفقه المصلحة السياسية، دون تنزيه لرأي على آخر بل توفيق فيما بينهما، ومن ثم فإن حجب القضاء عن شؤون السياسة أنزه للقضاء وأفضل للسياسة، لجمع الفرقاء بأدوات السياسة المرنة لا تعميق خلافاتهم بسيف القضاء الباتر.
حينئذٍ،، وتأسيساً على ما تقدم أرى أن يضطلع القضاء الإداري والدستوري بدوره الرقابي في كل ما يتعلق بشؤون التشريعات الخاضعة للرقابة القضائية والمتمثلة في رقابة الإلغاء على القرارات الإدارية المعيبة الصادرة عن السلطة التنفيذية، والرقابة الدستورية على القوانين المنحرفة عن المبادئ الدستورية من خلال القضاء الدستوري، وغير ذلك من اتفاقات سياسية أو شؤون برلمانية أو قرارات تتعلق بإدارة شؤون الدولة في جانبها السيادي لا يكون للقضاء فيها أي تدخل أو رقابة، بما يضمن فاعلية الرقابة القضائية وتحاشي تسميم الحياة السياسية التي لا تبنى إلا على التوافق بإقحام القضاء في مجال فضفاض ومتغير يتطلب المرونة والتموضع المتغاير حسب المصلحة السياسية للدولة محلياً ودولياً، وتلك أمور لا يستقيم للقضاء المنضبط الرصين أن ينحدر إليها رفعةً بمكانته وحرصاً على استقرار الدولة وسلامة كيانها ووحدة مؤسساتها وأمنها القومي والسياسي.
أخيراً،، أقول أنه على الساسة ممارسة السياسة بأدوات السياسة وعدم استعمال القضاء، وعلى القضاء الاضطلاع بمسؤولياته الرقابية في الشؤون التشريعية على مستوى القوانين والقرارات حسب الاختصاص، دون تزيد ولا تنصل..