* كتب/ عطية صالح الأوجلي،
(1)
علمتني سنوات عمري…. كما علمتني أخطائي شرور التصنيفات والتعميمات؛ لذا فقد عاهدت نفسي أن لا أمارسها وأن لا أحكم على شخص ما من مجرد لقبه العائلي أو قبيلته أو جنسيته أو مذهبه أو ديانته… فكثيرة هي المرات التي اكتشفت فيها عقم هذه التصنيفات وكيف أنها تصنع حاجزا ظالما بين البشر تسيطر فيه الأحكام المسبقة.. وكثيرة هي المرات التي تسرعت فيها بالحكم على أناس بناء على التصنيفات واكتشفت فيما بعد حجم ظلمي لهم، وكانت معرفتهم الحقة فيما بعد مكسبا كبيرا لي..
(2)
خُلق الأنسان فردا.. بلاهوية.. بلا لغة.. بلا جماعة.. ويموت فردا.. ويحاسبه الله يوم القيامة فردا.. ولكن في أثناء عيشه.. تكتسب هويته بعدا جماعيا “ليس من خياره”.. فيصبح فردا في مجاميع عدة.. ويكتسب هويات متعددة.. فينتمي لقارة ما.. بلد ما.. أسرة ما…قبيلة ما.. مدينة ما… ديانة ما.. ثقافة ما.. لغة ما.. وهكذا …
(3)
أثناء الأزمات يتوقف الناس عن رؤية البعد الفردي، ويصبح كل فرد عبارة عن تمثيل لجماعة أكبر.. يعاملك الجميع ويحاسبونك لا على أخلاقك أو عملك، وإنما فقط على “هويتك الجماعية” وكأنك أنت مسئول عن كل جرم يرتكبه أحد أفرادها حتى وإن كنت لا تعرفه.. ويحملونك مسئولية أعمال قبيلة أو مدينة قد لا تعرف منها أحدا.. يكفي لقبك العائلي لتتم محاسبتك وعقابك أو ثوابك.
(4)
أثناء الأزمات يتم اختزال المرء إلى مجرد فرد في جماعة معينة، وتتم مصادرة التنوع، ويتم تصوير الناس وكأنهم جسد متجانس متوحد لا فروقات فيه، وهو ما يخالف العقل والمنطق والتاريخ.. فكل جماعة بشرية تضم تنوعا هائلا في تكوين أفرادها، بل في الكثير من الأحيان تكون الصراعات داخل المجموعة الواحدة أكبر وأقوى من الصراعات بينها وبين المجموعات الأخرى ..
(5)
ولكن لكي تسهل التعبئة ضد الغير لا بد من تجريده من إنسانيته وفرديته ورفض أي احتمال لاختلافه عند أبناء جلدته، وهذا هو منطق العنصرية أينما كانت ومنطق الحقد والكراهية أينما حل.
(6)
المحبة تعرف وتعشق وتخاطب وتحاسب الفرد.. أما الكره والحقد فلا يعيش إلا في جماعة.. ولا ينمو إلا ضد جماعة.. الكراهية لا تنمو إلا في جو التعميم والحشد وهيمنة عقلية القطيع.
(7)
أخيراً.. يخلق الله المرء فرداً .. ويميته فرداً.. ويحاسبه على أعماله فرداً … فلماذا تحاسبونه أنتم على غير ذلك..؟
إقرأ للكاتب أيضا: