* كتب/ خالد الجربوعي،
عشر سنوات مرت على إطلاق ما عرف بعملية الكرامة والتي انطلقت في 16 مايو 2014 في ضواحي مدينة بنغازي كعملية عسكرية من أجل تحرير المدينة والمنطقة الشرقية من المليشيات والجماعات المسلحة والإرهاب، وغيرها من تنظيمات على رأسها ما عرف بالدروع حينها، كما أعلن أصحابها ومن قادوها ويقفون وراءها.
وفي 15 أكتوبر من ذات السنة بدأت مرحلة جديدة للعملية داخل ووسط مدينة بنغازي، وكان ما كان طيلة سنوات ماضية من هذه العملية التي كما أعلن أنها حررت المدينة وبقية المنطقة الشرقية.. بعد صراع مرير وطويل دفعت فيه المدينة وما حولها وليبيا عامة ثمنا كبيرا بشرا وحجرا وانقساما ورفضا وتأييدا، إلى آخر ما حدث من جراء هذه العملية.. التي قادها أحد ضباط سبتمبر المغضوب عليهم يوما، وتصدر مشاهدها حتى ارتفع في الرتب وأصبح الحكم الأول والأخير في كل المناطق التي سيطرت عليها قوات العملية باسم الجيش الليبي حتى أصبحت بقية السلطات في المنطقة الشرقية مجرد اسم ورقم لا فعل لها ولا مكان أمام سلطة قائد العملية وأبنائه، حتى وصلت أخيرا إلى جنوب البلاد، وبالطبع نالت هذه العملية تأييدا واسعا من الكثير من أبناء الشعب الليبي في كل مناطق ومدن ليبيا.. وهذه حقيقة لا يمكن لأحد إنكارها كان معها أو ضدها مؤيدا لها أو رافضا لها.. المهم أن هذه العملية والتي أطلق عليها تسمية الكرامة أخذت الكثير من النقاش والحديث والمناقشة وما دفع فيها من ثمن، وهل كانت تستحق كل هذا الثمن وهذا الزمن فعلا، أم أن في الأمر أمور كانت سببا في كل ذلك زمنا وثمنا..
ولكن السؤال المهم حول هذه العملية والذي ربما لم يتطرق إليه أحد في ظل تسارع الأحداث والصراع حول شرعيتها وأهميتها ونتائجها ولم يهتم به أحد ألا وهو:
هل كانت هذه العملية واسمها “الكرامة ” المقصود بها كرامة وطن أراد البعض إفقاده كرامته وإسقاطه من معادلة السيادة، أم أنها في حقيقتها كرامة فرد أراد استغلال الظروف المحيطة وما وصل إليه الوضع في البلاد لإعادة كرامته التي ربما سقطت يوما ما..؟؟!! خاصة بعد ما حدث له في حرب تشاد، والهزيمة التي لحقت حينها بالجيش الليبي تحت قيادته، ثم أسره وبقائه في سجن الدولة التشادية حتى تم إخراجه منها بعد أن أنكره من أرسله إلى تلك الحرب واعتبره خارجا عن الدولة ومتمردا عليها حتى أطلق عليها لقب “حفيتر” بدلا من اسمه الفعلي “تحقيرا واستهزاء”.. وأصبح من قادة المعارضة للنظام في تلك الفترة وانضم إلى من سبقه وكان خصمه يوما..
لكن الفشل في الوصول إلى الهدف أسقط مطالبهم وجعلهم في غياهب النسيان فترة من الزمن، حتى كانت أحداث فبراير والتي أعادت الحياة للكثيرين ممن فقدوا الأمل في التغيير والوصول إلى السلطة، بل ربما والانتقام ممن رفضهم ودفعهم للهروب من الوطن يوما.. فكانت الفرصة لهم للعودة ومحاولة الوصول إلى السلطة للبعض، وإعادة الكرامة المفقودة للبعض الآخر، ومنهم قائد علمية الكرامة، والذي لو تتبعنا مسيرة تحركاته منذ عودته إلى البلاد مع انطلاق أحداث فبراير لعرفنا أنه منذ البداية أراد السلطة وأراد الانتقام ربما لنفسه قبل الوطن.. فحمل كرهه للقذافي ورغبته في الانتقام منه، وجعله في مقدمة أهدافه، فكان صراعه في مرحلة الأحداث مع قائد أركان القوات المسلحة المعين من الانتقالي حينها مطالبا بأن يكون هو في هذا الموقع ولكنه رفض بشدة.. فعمل على تكوين جيشه الخاص من خلال الاستعانة بعدد من العسكريين والمساجين السابقين معه ليكون بهم كتيبته الخاصة مثل أي مليشيا مسلحة حينها، وعمل خارج أي سياق أو سلطة يفترض أنها تدير البلاد حينها. حتى كان تحرير أو سقوط طرابلس، “لا يهم أيهما الأصح هنا” فسارع للقدوم إليها وتكوين وتنظيم كتيبته الخاصة والسيطرة على أحد معسكرات المدينة ليكون مقرا له خارج أي سلطة أو حكومة تدير البلاد حينها، ودخل في صراعات مع جماعات أخرى جهوية وايدلوجية في حينها، نتج عنها الكثير من الاشتباكات جنوب العاصمة وصلت إلى حد تعرضه لمحاولة اغتيال أوأكثر.. حتى وصل به الحال إلى إعلان انقلاب تلفزي عبر إحدى القنوات الخارجية، وهو ما يدل عل أنه يدار من قبل دول أخرى، كما الكثير غيره ممن يحكمون البلاد للأسف..
ولكن فشله في ذلك الانقلاب المتلفز وتحوله إلى مادة للسخرية والتهكم جعله يختفي فترة من الزمن عن المشهد وإن كانت محدودة ليخرج علينا بعدها بهذه العملية المسماة الكرامة، والتي أعتقد أنه أراد منها إعادة كرامته المهدورة والاعتبار لنفسه قبل كل شيءا ماضيا من قبل نظام القذفي وحاضرا بعد فشله في الحصول على أي موقع أو منصب في السلطة خاصة بعد اعتباره عسكري متقاعد.. إضافة إلى شخص مطلوب للقضاء بعد انقلابه المتلفز.. فأراد بمنح هذا الاسم للعملية العسكرية التي قادها وحولها إلى ثورة جديدة “وكأن ليبيا ناقصة ثورات” العمل على إعادة الاعتبار لنفسه وأعاد كرامته كما ذكرت سابقا، وخاصة أمام أتباع النظام السابق، وكأنه يبعث برسالة إليهم وإلى قائدهم في قبره ليخبره أنه قد عاد للبلاد وأصبح من أهم أصحاب السلطة فيها، وأنه يطمح للجلوس على كرسي الحكم لكل البلاد خلفا لمن أنكره يوما وتهكم عليه.. ولعل أفعاله وطريقة تعامله وحتى لبسه واستعراضاته العسكرية التي يحكي فيها ولو نسبيا وبمسافة أقل بكثير أفعال القذافي، وما كان يفعله ليقدم نفسه للآخرين على أنه الخليفة القادم له، ومن يستحق أن يجلس في مكانه مهما كان الثمن خير دليل على كل ذلك. لهذا يبقى السؤال:
هل فعلا كانت الكرامة واسمها من أجل كرامة وطن أمام كرامة فرد أم العكس هو الصحيح..؟؟!!
إقرأ للكاتب أيضا: