* كتب/ يحيى القويضي،
أمام المدرسة، عقب يوم دراسي، صدّام خالف المعتاد، بأن أتى لبابي وفتحه، وعلى محياه كانت ترتسم ابتسامة خفيفة، ومن عينيه يشع بريق فرح وفخر لم يغب عني،، آه يا بابا، شن فيه؟.
يا بابا اليوم في حصة الرياضيات، جتنا أبلة العربية ومعاها مراة أخرى اسمها المفتشة ـ يقصد الموجّهة ـ ونادتني برة م الفصل، أبلتنا قالت للمرأة: هذا صدّام اللي يكتب في صفحة ومرّات صفحة ونص في حصة التعبير!، وزملاه بالكاد يكتبوا في ثلاثة أو أربعة أسطر،، المفتشة سألتني هل تدرس في الجامع؟، وهل أهلك يملّوا عليك واجد في الحوش؟، هل تأخذ في دورات لغة عربية؟
الموجهة كانت تبحث عن تفسيرات لحالة بدت غريبة أمامها: كيف يمكن لطفل في العاشرة أن يُعبّر بشكل متسلسل ومتتابع عن فكرة ما، طيلة صفحة كاملة أو أكثر؟، وقد سألت كل الأسئلة التي عنّت لها، إلا السؤال الوحيد الضروري :
هل تقرأ خارج كتب المنهج؟.
صديقا صدام الأثيران، وهما أيضا منافساه على صدارة الفصل، اكتشفا السر الذي غاب عن الموجهة:
صدام “يفوز” علينا في التعبير لأنه يقرا في المجلات والألغاز، حتى احني جيبلنا منهن يا عمي.
بعد مفاوضات عقدنا صفقة: نهاية دوام كل خميس، أزودهما بقصة أو لغز بوليسي، الخميس التالي نستبدل ما تم قراءته بآخر، ونتناقش أمام المدرسة عن مجريات القصة، لنتيقّن من قراءتها، وفهمها، وبالفعل كانت النتائج مشجعة :
ــ عمي يحي، كان عندكم لغز الكوخ المحترق، ولا لغز خط قرينتش، جيبهلّي، الخميس الجاي ما نبيش مجلة.
ــ عمي نبّي مجلة ماجد العدد اللي بعد هِذا، ماهو فيه قصة سمحة، وكاتبين البقية في العدد القادم، ونبي لغز الضابط المزيف.
أنا أستمع إليهما، وأناقشهما بجدية متعمدة، وأشعر بنشوة انتصار، وفخر بمنجز، لقد بذرت في قلبيهما الطاهرين البذرة، وها هي تتشقق، وتمد عروقها في نفسيهما، وتتسامى وتعلو عبر روحيهما.
لقد ورّطتهما في سياق يُعد فيه التوريط كسبا
لهما، وللوطن، وللإنسانية.
ففي البدء كانت الكلمة، وها هما يخطوان نحوها.
فهل يمكن أن نعمم التجربة؟ وهل يمكن أن نملأ حقائب أطفالنا بقصص الأطفال؟ وهل توجد طريقة واضحة ممكنة التطبيق لصنع مئات آلاف القراء في الجيل القادم؟
بالطبع،، يمكن ذلك، وبسهولة، نحتاج فقط لشيء من الجرأة، وشيء من الانتماء لدى وزارتي التعليم والثقافة.
الصورة لسلسلة الحكايات المحبوبة ضمن سلاسل أخرى لكتب ليديبيرد، وهي سلسلة بها قصص جميلة مسلية وهادفة، ومطبوعة بأسلوب جميل، ومعززة برسومات متقنة، وألوان زاهية، وهي إجمالا جاذبة جدا، ومثيرة لاهتمام الأطفال.
يمكن لوزارة الثقافة بالتعاون مع وزارة التعليم أن تشتري حقوق طبعها، أو أن تتعاقد مع الدار الناشرة على تزويدها بأعداد من هذه السلاسل تساوي عدد تلاميذنا، وتوزع عليهم مع كتب المدرسة، مع تحفيز الطلبة على قراءتها مقابل درجات تضاف لهم، وتشجيعهم على تبادل القصص فيما بينهم.
فيما لو وجدت هذه الفكرة طريقها للتنفيذ، أتصور أننا سنرفع نسبة القراءة بين مواطنينا من صفر فاصلة…..، إلى نسبة الربع إلى الثلث من إجمالي أطفالنا، وهنا سيحدث الفارق المجتمعي المنشود.
الأموال كثيرة، لكن الأيادي كانت غالبا مرتعشة، أو لا تفهم، أو لصّة، ولذلك ضاعت علينا عديد فرص الارتقاء الجماعي.
هذه الفكرة بين أيديكم، فلعل أحدكم يكون يوما في موقع المسؤولية أو التأثير، أو يكون أحد أصدقائكم كذلك، أعرضوها، ودافعوا عنها، وحاولوا تنفيذها، وأزعم أنها الخطوة الوحيدة صحيحة الاتجاه لتغيير بلادنا، وإنقاذ أجيالنا القادمة مما وقعنا فيه بسبب جهلنا.