* كتب/ خالد الجربوعي،
“فلسطين عربية” جملة وشعار يتردد منذ عقود وسنوات في جل الدول العربية، وترفعه جماهير هذه الدول كلما خرجت من أجل نصرة القضية الفلسطينية..
كما يذكره بعض القادة العرب عند الحديث عن فلسطين، والمزايدة بقضيتها، لكن الحقيقة أن هذا الشعار يبقى مجرد كلمات تقال لا قيمة له ولا معنى، لأن الواقع يخبرنا عكس ذلك تماما، فعروبة فلسطين لم تحقق لها إلا مزيد المعاناة والتشرد..
العرب هم من فرط في فلسطين منذ بداية أزمتها، ودخلوا في حروب خاسرة أضاعت البلاد والعباد، بداية من أول هذه الحروب التي كانت أول خطوات القضية وخسائرها، ألا وهي حرب 48 التي كما يقال خاضتها 5 جيوش عربية خرجت منها مهزومة، تاركة جزءا من أراضي فلسطين تحت الاحتلال الصهيوني الذي أعلن دولتها المغتصبة بعد هذه الحرب التي هزم فيها العرب لا الفلسطينيين.. ثم كانت الضربة القاصمة في حرب 67 التي خاضتها بعض الأنظمة العربية من أجل نزوة ومعاندة أكثر منها تحرير ورد اعتبار، فكانت الهزيمة الأكبر، وتضييع ما تبقى من أراضي فلسطينية دخلها العدو مستغلا هذه الحرب الفاشلة، ومسيطرة على كل فلسطين تقريبا، ولولا صمود الشعب الفلسطيني ورفض جزء كبير منه ترك أراضيه لا انتهت القضية وأصبحت مجرد تاريخ يروى لا غير.
وحتى عندما خاض بعضهم حربا أعلن فيها انتصاره الوهمي المزعوم، لم يكن تحرير الأراضي الفلسطينية -حتى تلك التي ضاعت من وراء نزواتهم وحروبهم الفاشلة- داخل حساباتهم، فلم تصل إليها المعارك ولا خاضوا من أجلها أي حرب تحرير.. بل كانت قضية فلسطين جزءا من المساومة والتفاوض من أجل أنفسهم ودولهم على حسابها.. حيث قدمت كل التنازلات من أجل استعادة اراضيهم المحتلة، فيما كانت فلسطين وشعبها خارج المسار، بل كانت وسيلة مفاوضة اعترف من خلالها بالعدو، وأصبح وجودها مشرعنا باعتراف عرب كانوا يوما يخبروننا أن فلسطين وقضيتها وتحريرها هدفهم الذي لا تنازل عنه في الحياة.. فكان البيع للقضية والشراء هو الواقع وهو المسار، لتخرج فلسطين من أهدافهم وتصبح مجرد قضية إنسانية يتعاملون بحيادية كوسطاء لا علاقة لهم بها من قريب لا من بعيد.
وحتى عندما يتعرض شعبها في غزة أو حتى الضفة المفترض أنها تحت سلطة اعترفت بالعدو وتتعامل معه لأي عدوان، وهو ما يحدث طيلة عقود دون توقف، يصبح الأمر لديهم مجرد خبر وحدث عابر، كأنه يحدث في دولة غريبة أو بعيدة عنهم، ولا تجد منهم إلا الكلام والتصريحات والمساومة، دون أي فعل حقيقي لنصرة شعبها أو تحرير أراضيه..
بل وصل الأمر ببعض الأنظمة العربية أنها أصبحت تعادي كل من يناضل من أجل فلسطين، سواء كان فلسطينيا أو غيره، وتحول هؤلاء الذين يحملون القضية الفلسطينية فعلا ويفعلون من أجلها كل ما يمكن إلى أعداء، وتصف مقاومتهم بالإرهاب والمليشيات، وتعمل على تصفيتهم والتعاون مع الأعداء لإخراجهم من المشهد، وهناك منهم من يدعم العدوان عليهم بشكل أو آخر، خاصة إن كان ضد من يعتبرونه خصما بل.. وتتحالف مع عدوهم لمحاربتهم وتصفيتهم بطريقة أو بأخرى، بحجة أنهم يعرقلون مسارات الاستسلام والتطبيع، التي يريدون السير فيها على حساب فلسطين وشعبها وأرضها.
فهل بعد كل هذا يمكن أن تكون فلسطين هم هؤلاء ومن يرفعون شعار عروبتها، التي لا أحد يمكن أن ينزعها منها، لكن ليس بالشعارات والجمل الرنانة التي يرددها مثل هؤلاء الخانعين..
دون أن ننسى من دخل على حسابها في مفاوضات سلام وعمليات تطبيع، تدفع فلسطين وشعبها الثمن غاليا من ورائها، فيما عمل بعضهم على استغلال معاناة الشعب الفلسطيني من أجل إظهار البطولات الوهمية والأفعال الخارجة عن السياق.. لهذا لا يمكن أن تكون فلسطين عربية في ظل هكذا أنظمة فاشلة أو أفعال وقرارات وشعوب مترددة في دعمها، ولا تقدم ذلك إلا بشكل محتشم لا يصل -حتى- لما يفعله غيرهم من شعوب العالم، التي لا تتوقف في مدنها وعواصمها المظاهرات الرافضة للعدوان، فيما مدن العرب خارج هذا السياق إلا بشكل محدود ومحدد لا يرتقي لمستوى ما يحدث خاصة اليوم في غزة..
بل منهم من يقيم الاحتفالات والمهرجانات رغم كل الدماء التي تسفك بجوارهم، لتبقى فلسطين فلسطينية لأهلها وأبنائها الذين يدافعون عنها ويموتون من أجلها، ويقدمون كل غال ونفيس في سبيلها دون تردد، رغم وجود بعض منهم من يبيع موقفه ويساوم على حرية شعبه، من أجل كراسي وسلطة وهمية، لكن مثل هؤلاء لا يمثلون الفلسطيني المقاوم المستعد لتقديم كل ما يستطيع، وفي مقدمته روحه وأهله في سبيل تحرير أرضه طال الزمان أو قصر.
للكاتب أيضا: