الرئيسيةالراي

رأي- غياب الإرادة لمكافحة الفساد

* كتب/ د /محمود أبوزنداح
asd 841984@gmail.com

صُنّفت ليبيا كإحدى الدول الراعية والحاضنة لكتاب الله، دولة مسلمة بالكامل، تتميز بكثرة المساجد والمدارس، ويُلمَس فيها قدر من الورع والتديّن. ومع ذلك، تُعد من بين أكثر دول العالم فسادًا، وتُوصَف بأنها تملك بيئة حاضنة للفساد بكل مستوياته.
هذا التناقض الصارخ يكشف أن وراءه مسؤولون أنتجوا الفساد من رحم السلطة، ثم ألقوا به في جسد المجتمع، محاولين التنصل من نتائجه، وكأنهم لم يكونوا يومًا جزءًا من هذه الجريمة التي ارتكبت بحق الوطن.

الفساد ليس مجرد خلل إداري أو مالي، بل جريمة تهدد بقاء الدولة ومصير الشعب، وهو في خطورته يفوق أسلحة الدمار الشامل، بل وقد يكون سببًا مباشرًا في انتشار الأمراض والأوبئة، وتدهور الأمن الصحي والبيئي والاقتصادي.

جرائم الفساد تُعد من أخطر الجرائم وأكثرها تنوعًا، فهي لا تقتصر على نهب المال العام، بل تتسبب في تقويض مؤسسات الدولة، وزعزعة الثقة العامة، وتمزيق النسيج الاجتماعي، وخلق مجتمع طفيلي موازٍ يتغذى على موارد الدولة، ويتحول إلى “ثقب أسود” يبتلع كل ما حوله.

وما يزيد الأمر سوءًا هو وجود من يُصرّ على استمرار هذا الفساد للاستفادة من منافعه، غير آبهين بانحدار الدولة إلى هاوية المرض والفقر والانقسام.

تتعدد أوجه الفساد، لكن الأخطر منها هو التواطؤ معه أو التساهل في مواجهته، بل إن البعض يرتكب جرائم تمس سلامة المجتمع بأسره، مثل استيراد أدوية فاسدة، أو دفن نفايات نووية في الأراضي الليبية أو في البحر.

هذه أفعال لا يمكن التعامل معها كحالات فردية، بل هي جرائم كبرى تتجاوز قدرات الجهات الرقابية المحلية، وترتبط أحيانًا بشبكات دولية أو بتواطؤ رسمي على أعلى المستويات.

لذا فإن التصدي لهذا الخطر يتطلب حزمة من الأدوات المتكاملة، تشمل الرصد والتوثيق، ونشر الوعي، وبناء ثقافة النزاهة، إلى جانب التدريب المستمر، خصوصًا في دولة تعاني من ضعف الانتماء الوطني، وغياب الإرادة السياسية الجادة لمكافحة الفساد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى