
* كتب/ خالد الجربوعي،
يبدو أن موضوع النيابة العامة ومعرض كتابها وما تعرض له من نقد ونشر حوله من كتابات فتح الشهية وباب النقاش.
الحوار صحفي متنوع بشكل لا يحدث دائما في بلادنا، وهو أمر محمود نتمنى أن نشاهده ونعيشه في كل الأحداث الهامة.. وخاصة تلك المتعلقة بالشأن العام، وفي مقدمتها الشأن الثقافي، حيث يغيب مثل هذا النقاش والحوار الصحفي في جل ما يكتب عبر الصحف والصفحات، وكل يغني على ليلاه دون أي متابعة أو اهتمام من الآخرين، حتى من هم جزء من المهنة وأصحاب القلم والكلمة.
وباعتبار أنني قد أكون صاحب المبادرة في فتح الباب لهذا النقاش والحوار الصحفي، من خلال مقال حمل عنوان “النيابة العامة تقبض على الثقافة في معرض الكتاب”، أو على الأقل من أوائل من فعل ذلك، كنت لا أود التطرق للموضوع من جديد بعد كل ما ذكرت، وما كان يجول في خاطري حول الموضوع، وما هو مطلوب عبر المقال المعني.. إلا أن تعدد الآراء والكتابات حول الأمر، والتي وجدت أن بعضها قد تطرق لما ذكرته، وجدت نفسي أعيد الحديث عن الأمر بهذا المقال، لتوضيح بعض الأمور والتأكيد على ما جاء في المقال المعني من موقف ورأي.

فبداية أؤكد أن إقامة معارض الكتاب مطلب لا تردد فيه، وهدف يجب ان يكون مدعوما في كل وقت وطيلة أيام السنة، وفي كل مكان على طول البلاد وعرضها، ومن كل الجهات التي يمكن أن تقيم مثل هذا الحدث، وهو أمر كان يحدث سابقا.. لكن الغريب وما يزعج في الأمر هو عندما يكون مثل هذا الحدث في مستوى دولي، وبعيدا عن من تكفل برعاية الثقافة والاهتمام بها وتفعيل كل نشاطاتها، فهنا يكون الموقف غير، والكلام يطول، ويصبح ليس من حق جهة أخرى غير الجهة المعنية بمثل هذا الفعل، وصاحبة هذا الدور ان تقوم به.. خاصة أنه لدينا معرض دولي للكتاب سبق أن أقيم لعدة سنوات، كما أشرت إليه في المقال السابق، وكان من المفترض العمل على إعادة إحيائه بكل الطرق، من قبل الجهة المعنية به، وعند تقصيرها يجب محاسبتها ومعرفة أسباب هذا التقصير والتراجع، لا أخذ دورها وتركها جانبا.. وهو ما كان يفترض على من دافعوا عن النيابة ومعرضها أن يكون لهم دور في دعوة الثقافة ومن يديرها للقيام بدورهم في إعادة هذا الحدث الهام، أو ترك المكان لمن يستطيع ذلك..
أما من ناحية ما قيل أن مثل هذا المعرض عندما يكون تحت إشراف النيابة العامة قد يغير من سلوك عامليها، ويجعلها تفتح بابا جديدا في تعاملهم مع القضايا المعروضة عليهم بشكل مختلف، فهو مجرد وهم وأمر خارج السياق.. فإن كان من تربوا على الكتب وقراءتها وحتى الكتابة ومعاناتها لا تجد الكثير منهم قد أثرت فيه كل تلك القراءات والكتابات في حياته اليومية، في ظل مجتمع تقوده ثقافة وأفكار ومعاملات آخر همها ما يوجد في الكتب.. فهل سيكون مجرد إقامة معرض أو قراءة كتاب من قبل وكيل نيابة ورجل قضاء كفيلا بتغير سلوكه، الذي تعود عليه وعاش معه طويلا بهذه السهولة..؟!
وفيما يتعلق بموضوع أن الثقافة حق للجميع وليست حكرا على أحد أو جهة أو وزارة، فهذا أمر يخص العمل الثقافي المفتوح، الذي لا يدخل في اختصاص الجهة المعنية، ودورها وموقعها وسبب وجودها.. وهو ما يعني أننا عندها سنفتح الباب لكثير من الأحداث والأفعال، التي تتمشى مع واقعنا، ونرفع شعارات كثيرة تخرج الكل عن دوره، وتمنح الغير أعمالا لا تخصهم أو تعنيهم.
ومنها شعار أن “الأمن مسؤولية كل مواطن ومواطنة” لنطلب من كل فرد أن يحمل سلاحه وينفذ الأمن بيده، وكما يراه مناسبا، ونعيد تفعيل ما عرف يوما بالأمن الشعبي المحلي، الذي كان خارج السلطة للقيام بدور الأمن وتنفيذ القانون.
وكذلك نعيد شعار “الشعب المسلح” ونمنح شرعية حمل كل أنواع السلاح لمن يمتلكه، دون شكوى أو ممانعة، ليكون أمرا قانونيا لا حرج فيه، ولا داعي لدعوات بناء جيش، وشرطة رسمية تقوم بدورها في توفير الأمن أو حماية الوطن.
أيضا نفعل مقولة “الرياضة نشاط عام يجب أن يمارس لا أن يتفرج عليه” ونلغي كل المسابقات الرسمية، ونفتح الملاعب لكل الجماهير دون تمييز، فكلهم من حقهم مماسة الرياضة في ملاعبهم الرسمية..
بل نعطي الحق لأي جهة أو مؤسسة أيا كان اسمها لتنظيم البطولات والمسابقات، بعيدا عن كل الاتحادات الرياضية ووزارتها المعنية، ونعيد لها الحياة بعيدا عن من يقف خلفها أو ينظمها قانونا.
أما من تحدث عن عدم انتقاد جهات أخرى تقوم بأعمال ليس من اختصاصها، مثل إقامة مباريات في كرة القدم، ومهرجانات وحفلات فنية وغيرها، وبالتأكيد يقصد ما يحدث شرقا وما يفعله من يسمونه جهاز الإعمار، فإن الأمر مرفوض بشكل تام، والحديث عنه وانتقاده موجود ومكرر عند كل حدث وفعل، وإن كان لم يصل إليه مثل هذا الأمر والنقد والرفض، فذلك أمر آخر لا يعني غيابه أو عدم وجوده، من الكثيرين ممن ينشرون ذلك كلما أتيحت الفرصة وحسب المكان المتاح لذلك.
لنصل إلى ما يتعلق بأن مثل هذا الحدث لا يشغل أهل النيابة عن ممارسة أعمالهم، ويعرقل بعض الأعمال ويؤخرها، فهو أمر لا يقبل إلى حد كبير.. لأن مثل هكذا معرض لا يأتي فجأة، ولا يحدث بين ليلة وضحاها، ولا يتوقف على أيام إقامته فقط.. بل بالتأكيد هناك استعدادات وتجهيز يستمر لفترة طويلة، قد تصل لأشهر، ولا أعتقد أن النيابة العامة ستترك لغير العاملين بها الإشراف ومتابعة تفاصيل كل هذا الأمر.. وهو ما يعني تفرغ الكثير منهم من أجل القيام بهذا الدور، وكيف يؤثر ذلك على ما لديهم من أعمال وملفات ومحاضر، أخبرنا يوما أنها تقترب من المليون محضر وقضية، تتطلب جهدا وعملا متواصلا لإتمام إجراءاتها، وهو ما يتطلب زمنا قد يصل إلى سنوات لا فقط أشهر لإنهاء كل ذلك.. حتى لا يبقى أصحاب القضايا ينتظرون كثيرا لقفل قضاياهم وإصدار الأحكام حولها، كلا حسب وضعه وظروف قضيته، لا الانتظار طويلا دون معرفة مصيره كما يحدث اليوم ويعيشه الكثيرون من أصحاب هذه القضايا المتأخرة.. فالأمر هنا يخص البشر وحياتهم بشكل مباشر، وكيف يعيشون أوضاعهم بحثا عن إنهاء إجراءات تقاضيهم التي قد تبقى طويلا دون حلول، وهنا يكون حقهم وتسوية وضعهم أولى وأهم من كل كتاب ومعرض وثقافة.. وإن كان هذا ليس موضوعنا الأساسي ولكنه جزء من سياق الموضوع ونتائجه ومخرجاته.
وقبل الختام نسأل المتحمسين للدفاع عن النيابة العامة ومعرضها الدولي، هل يفعلون ذلك من أجل المعرض واشتياقهم لإقامته وحبهم للكتاب، بغض النظر عن الجهة التي تقف خلفه، وهنا يكون الأمر محمودا ولا حرج فيه.. أم هو دفاع عن النيابة العامة بحد ذاتها من أجل كسب ودها ورضاها بعيدا عن موقفه الحقيقي والفعلي من الحدث، وهنا يكون الأمرا مرفوضا وخارج السياق، وازدواجية شخصية وقلم.
وأخير وليس آخرا، كان يفترض ممن هم نخبة المجتمع ومثقفوه ولو نسبيا، أن يكونوا مع دولة مؤسسات ونظام وقانون، يقوم فيها كل بعمله واختصاصه، دون تمييز لجهة على غيرها، أو القبول بالوضع الراهن في كل المجالات والمواقف والأحدث، والصمت دون أي انتقاد لكل فعل، ومن يقوم به خارج السياق والقانون والنظام، مهما كان وأيا كان، حتى لو خارج مجاله وتخصصه وسبب وجوده أصلا.
وفي نهاية الكلام، لا أجد إلا أن أقول حتى إن كنا نعيش في ظروف صعبة تغيب فيها الدولة الحقيقية والقانون الفعلي والمؤسسات الفاعلة، فإن ذلك لا يعني أن نصمت ونرضى بكل ما يحدث حولنا على الواقع، ويخالف المسار، ويسقط حتى حلمنا ببناء دولة قانون ومؤسسات نسعى إليها ونطلبها، ولو عبر الحروف والكلمات، حتى لو تأخرت لعقود وسنوات، لذلك لا يجب أن نفرط في موقفنا ومبادئنا حولها والمطالبة بها حسب المستطاع، ولو في أقل الأحداث فاعلية، خاصة عندما يكون الأمر متعلقا بمن يفترض أنهم النخبة ومثقفو الشعب، ومن كان يجب ان يكون لهم دور في نهضة البلاد وتحديد طريقها، والذين غابوا كثيرا عن القيام بدورهم وأصبحوا خارج الأحداث والفعل الحقيقي على أرض الواقع..!



