
* كتب/ خالد الجربوعي،
القبيلة مكون اجتماعي تقسم البشر إلى جماعات وأنساب لتحديد هويتهم الاجتماعية، ومعرفة أصولهم، ويكون لها دورها الاجتماعي بين أفردها والمنتمين إليها، ولا علاقة لها بالسياسة وحكم البلاد وسلطاتها الرسمية بشكل عام.
العسكر هم من يناط بهم حماية الوطن وحدوده من الأعداء، ومنع أي محاولة لاحتلال أراضيه أو قتل مواطنيه، ولا علاقة لهم بسياسة ولا حكم، لما يقوم به بعض قادتهم من انقلابات ضد سلطات البلاد الرسمية، وهنا تتحول الدولة إلى رهينة لدى هؤلاء الانقلابين والطغاة الذين يحكمونها بالحديد والنار، ويحولونها إلى ملكية خاصة لا أحد ينبغي أن يشاركهم فيها.
لكن عندما تنقلب الأمور وتتغير المعايير، ويدخل كل في غير الهدف الذي وجد من أجله يسقط النظام، ويغيب القانون وتفقد الدولة مكانتها وأهميتها، وتصبح مجرد ملكية خاصة لأطراف محددة استولت على السلطة بطريقة أو بأخرى ودعمها البعض من أجل الاستمرار في هذا الموقع، وعدم التفريط به بكل الطرق، وضرب كل من يحاول إسقاطها أو كشف حقيقة وجودها.. وهذا الأمر يحدث خاصة عندما يلتقي العسكر الذين ينقلبون على سلطات الدولة ومؤسساتها بحجج واهية، ويسيطرون على الحكم، ويحولون البلاد والعباد إلى ملكية خاصة لهم، ويبحثون عن أهم ما يمكن أن يدعم وجودهم، ويتحالف معهم لكسب ودهم والبقاء في الحكم لأطول فترة ممكنة.
ولا أعتقد في دولة مثل ليبيا أن يجدوا أفضل من القبليين ومن يدور في فلكهم، ومن يدعون المشيخة، والحكمة المفقودة والمعينة الوهمية، وكل ذلك منهم براءة.. فمثل هؤلاء القبليون الباحثون عن مكاسب شخصية محدودة وقبلية معدودة يتركون دورهم وأساس وجودهم الاجتماعي، ويجدون في العسكر فرصة للتملق من أجل الحصول على ما يطلبون من مكاسب مختلفة.. لتتحول الدولة إلى غنيمة يتقاسمونها مع العسكر، ولو بالحصول على الفتات لهم ولمن يدور في فلكهم من أبناء قبائلهم، فتتحول المؤسسات إلى مكان للمقربين منهم يديرها أتباعهم وأبناء قبيلتهم دون غيرهم، ويصبح البحث عن كل قبلي هدفا لهم، ليكون عونا لهم وسندا لاستمرارهم.. ومن هنا وفي ظل اتحاد العسكر والقبليين تسقط الدولة، وتصبح خارج المسار، ويغيب القانون ويصبح لا قيمة له، ولا مكان في ظل مثل هؤلاء.. وهذا ما عشنا عليه لعقود طويلة في ظل النظام السابق الذي رفع من منسوب القبلية، ودعم تدخلها في كل شؤون الدولة وحولها إلى لعبة في يده يفعل بها ما يحلو له، من أجل دعمه والحصول على دعم متصدري مشهدها، من أجل الادعاء بأنه مدعوم من كل الشعب الليبي عن طريق الدعم القبلي الوهمي، والاستفادة من شخوص زعمائها الذين حولهم إلى مجرد عبيد وخدم عنده لتركيع قبائلهم.. ومن يخرج عن المسار يصبح منبوذا، وتنفذ فيه أقصى العقوبات باسم القبيلة وأهلها، رغبة ورهبة من أبناء جلدته وقبيلته والأمثلة كثيرة على ذلك.
المهم كنا نظن أن كل ذلك سينتهي ويذهب مع صاحبه المنتهي وأنه سيتم العمل على بناء دولة قانون، ومؤسسات ومواطنة لا قبلية ولا جهوية ولا غيرها، ولا مكان لمثل هؤلاء مدعي المشيخة والحكمة في الشأن السياسي.. ولكن للأسف أن الأمر حدث عكس كل ذلك، وأصبح الحدث يكرر نفسه خاصة من قبل العسكر الجدد، ومن يريدون تكرر تجربة الماضي، وعودة حكم الفرد والعسكر والعائلة بنفس وسائل وطرق من كان قبلهم.. لتكون القبلية والقبيلة إحدى أهم وسائلهم لذلك، وما يحدث من لقاءات واجتماعات ولو كانت لا قيمة لها أمام كل المتغيرات مع دعاة المشيخة الوهمية طيلة الفترة الماضية مع سيدهم الجديد أو أحد أبنائه لتبادل الدعم وتقاسم المصالح خير دليل على ذلك.
فإلى متى نبقى على هذا الطريق الفاسد المدمر الذي يسقط الدول ويدمر المؤسسات، ويضرب القانون ويلغي كل مواطنة ومساواة، لنعود كما كنا وكأن الشعب لم يدفع ثمنا غاليا من أجل إيجاد دولة حقيقية مثل كل دول العالم مع مثل هذه الشخوص من طالبي السلطة ومن يدورون في فلكهم من عبيد ومنافقين ومطبلين، من أجل مصالحهم الشخصية حتى لو كان على حساب قبائلهم وأهل والبلاد وعبادها..



