* كتب/ السنوسي بسيكري،
لم تكن ردود الفعل الواسعة والمتنوعة حول لقاء عقيلة صالح وبرلمانيين بخليفة حفتر إلا تعبيرا عن حدث غير متوقع وفعل مبرمج، وذلك بالنظر إلى أجواء التوتر والقطيعة التي سادت بينهما لما يقرب من العام.
كما لا يخلو الأمر من استهجان لمخرجات اللقاء عبر ما صرح به حفتر وكرره عقيلة في كلمته المرتجلة.
حفتر الذي تفرد بالقرار السياسي والعسكري في الحرب وفي المفاوضات السياسية لأعوام؛ دعا أثناء العدوان على طرابلس إلى تجاوز البرلمان، وكان متجاهلا له وضاغطا عليه للتماهي مع سياساته لما يقرب من ست سنوات، وهو اليوم في حاجة إلى لملمة شعث نفوذه الذي تبعثر نسبيا بعد الهزيمة في طرابلس، وبعد تورط الكثير ممن يمثلونه من المسلحين في جرائم بشعة خاصة في بنغازي، وبعد أن تدهور الوضع الأمني والاقتصادي في الشرق إلى مستوى غير مسبوق منذ 2011م.
يواجه حفتر ضغوطا من الغرب وواجه جفاء من حلفائه الإقليميين، ويواجه توترا وقلقا وحتى تصدعا في القاعدة الشعبية والقبلية التي دعمته بقوة منذ 2014م، وبالتالي صار التوافق مع المسار السياسي والاتجاه إلى الانتخابات هو أولويته، وهو يحتاج إلى دعم عقيلة وأعضاء البرلمان المؤيدين له في هذا الخضم.
بالقطع إيمان حفتر بالتغيير بالقوة والهيمنة عبر الحروب كبير، إلا أنه غير قادر، كما كان في السابق، على تحشيد مقاتلين من الشرق، وصار الخذلان الذي لقيه حلفاؤه في الغرب الليبي أثناء وبعد العدوان على طرابلس عائقا أمام تعبئة واسعة في صفوفهم، هذا علاوة على الضغوط الدولية بخصوص إخراج المرتزقة واتجاه الروس للوصول إلى مقاربة مرضية مع الأتراك والأمريكان والأوروبيين بخصوص الفاغنر، وبالتالي فإن استخدام القوة على نطاق واسع وكثيف لم يعد ممكنا اليوم، وهو رهن بتغير المزاج الدولي، والإقليمي بالتبع، حتى يتسنى لحفتر أن يفرد ريشه ويعود إلى مغامراته المفضلة. لهذا، فلا خيار أمامه إلا المزاحمة على كرسي الحكم عبر صندوق الاقتراع، وفي هذا السياق نفهم لقاءه بعقيلة والبرلمان.
وننوه إلى أن تراجع حفتر عن صلفه واقترابه من البرلمان ليس في اتجاه تصحيح العلاقة المختلة بين البرلمان وحفتر باعتبار أن الأول هو من عين الثاني ومنحه رتبة مشير، والدليل على ذلك أن اللقاء كان في “الرجمة”، ولم يكن تحت قبة البرلمان حيث ينبغي أن يجلس حفتر للمساءلة عن مواقفه وممارساته وتوجيهه إلى المسار الذي يرتئيه النواب.
على الجهة الأخرى، فإن عقيلة صالح الذي تعمد أن ينأى بنفسه عن حفتر بعد النتائج الخطيرة للعدوان على طرابلس، وتصريحه بأن الحرب كانت خطأ كبير، أراد أن يتحمل حفتر لوحده المسؤولية، ولهث خلف تحصيل نفوذ بعيدا عنه، عبر شراكة مع خصومه في غرب البلاد. إلا إن مساعيه فشلت، وبرغم أنه حافظ على موقعه السياسي كرئيس للبرلمان، إلا إنه يواجه تحديات عبر المسار التفاوضي، ويحتاج إلى حفتر كورقة ضغط على خصومه، وكأنه يقول: إذا لم تلبوا مطالبي في ما يتعلق بالمناصب السيادية، خاصة المصرف المركزي وقائمة التعيينات في المؤسسات التابعة للحكومة، فإني سأفرض عليكم معادلة سياسية وأمنية صعبة كالتي واجهها السراج من خلال عودة الحلف مع حفتر.
من ناحية أخرى، فإن المسار السياسي يواجه منعطفا حادا، وذلك بعد فشل التوافق على الأساس الدستوري. أيضا هناك قانون الانتخابات ومسألة الدوائر الانتخابية، خاصة ما يتعلق بجعل ليبيا دائرة واحدة بالنسبة لانتخابات الرئاسة، وهو ما لا يقبله حفتر، ولا يرضى عقيلة به. لهذا فإنهما (عقيلة وحفتر) يحتاجان إلى إظهار توافقهما لمواجهة ضغوط الخارج ومطالب الداخل، ويريدان أن يكونا في تنسيق كبير ليتحقق لهما ما يريدان في هذا التدافع المحموم.