* كتب/ أنس أبوشعالة،
الأول من سبتمبر هو التاريخ الشهير لثورة أو انقلاب الفاتح حسب التسمية التي تروق لكل وجهة رأي في هذا الحدث،
وفي كل عام يشهد هذا التاريخ قدراً كبيراً من التسطيح والتسفيه لهذه الذكرى، بين مؤيد أصم ومعارض أعمى، دون التفكر والتدبر وأخذ الدروس والعبر من هذه التجربة التي سيطرت على بلادنا أربعة عقود، ووُلد في كنفها ثلثا الشعب الليبي وكل شبابه على الإطلاق.
الدرس الأول أن الوطن لا يمكن اختزاله في ثورة مهما سمى شعارها ونبلت مبادئها، فالثورة الأخلاقية الخالدة التي لا تموت هي ثورة الإسلام بقيادة محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وسلم- ضد الشرك والجهل وعبادة الأوثان وإرساء قواعد العدل والمساواة، ودون هذا الدين الحنيف لن يطيع الزمان أي ثورة في أي مكان دون خضوعها لسنة الزوال.
العبرة الأخرى، أن الوطن أكبر من الشخص مهما عظم شأنه، وإن كان الرسول عليه الصلاة والسلام قد أثنى عليه ربه بأنه على خلق عظيم، فقد قال فيه كذلك إنك ميت وإنهم ميتون، فالموت قاهر القادة والملوك والسلاطين في كل وقت وفي كل حين، ومن ثم فمن رهن وطنه على شخص فقد قصر من عمر وطنه، وهدد وجوده وديمومته، ويكون عمر الوطن قصيرا بقدر قصر عمر القائد، وهذا ضرب من ضروب الجنون والإبخاس لقيمة الوطن.
الدرس الآخر، أن لعن الماضي يجعلنا فاقدين للبوصلة تجاه المستقبل، ونأسر أنفسنا في حاضر تائه ينكر ماضيه ولا يعرف طريقه للمستقبل، لُعنت الملكية برمتها، ثم لعن الفاتح بما فيه، ونلعن حاضرنا وماضينا، ولا نعرف سبيلاً لمستقبلنا، فالوطن سلسلة من المراحل والأنظمة والأمزجة متصلة ببعضها تشكل في مجموعها تراث وهوية الوطن، الذي لو قمنا بلعن كل قديم فيه صار وطننا ضعيفاً خديجاً لا مناعة له ولا تاريخ.
ختاماً، الوطن فسيفساء من أحجار رخامية مستخرجة من جبال الدهر، وملونة بدماء الأجداد المجاهدين والآباء المؤسسين، ممن شاركوا في قيام الدولة الملكية والجمهورية الليبية والجماهيرية الشعبية، ودولة ليبيا الحالية التائهة نحو مسيرها للديمقراطية، بسبب إنكارها لماضيها والمزايدة على أنفسنا ووطننا بتقديس المعتقد السياسي وتخوين كل مخالف، فلا لون واحد في الأرض ولا في السماء، ولا فصل واحد يحكمنا طيلة أيام السنة، فلا الخريف مانع الشتاء ولا الربيع ممسك الصيف وإن أبى، والاختلاف والتنوع سنة ورحمة، والدوام المطلق والحق اليقين لا يكون إلا لرب العالمين، رب كل الليبيين والبشر أجمعين.