* كتب/ يحيى القويضي،
ليبيا أنجبت القوي الأمين أيضا،، صبّحكم وربّحكم.
أواخر صيف 2011م
كان دوي المدافع يقترب من طرابلس، مؤذنا بنهاية تمرّد الضابط م أول بومنيار
آنئذ، المثقف المتعمق، والمحترم، المصرفي محمد الشكري كان يشغل موقع نائب محافظ البنك المركزي الليبي، رجل مهني صرف، وصل إلى منصبه من باب شريف:
سيرة ذاتية طويلة، عريضة، متخمة بالتأهيل الممتاز، والمسؤوليات الثقيلة، وثقافة سامية المستوى.
الرجل قرأ المشهد، واستشعر مسؤولياته التاريخية تجاه أهله الليبيين.
هو يدرك جيدا أبعاد التدخل الخارجي، وتداعياته، الدروس -تاريخا وحاضرا- أكثر من أن تُعد
من جانب آخر كان مدركا أيضا بأن ثمة سلطة قادمة، وأي تصرف منه، سيفهم على الأغلب أنه ممالأة للمنهار على حساب الآتي، ما يضعه أمام خطر جدي..
الرجل كأن أمام خيارات صعبة
واختار من بينها أن ينحاز لنا، نحن الليبيين البسطاء وليكن ما يكون.
“تسكيرة راس ليبية أصيلة”
بحكم موقعه، جمع محمد الشكري مسؤولي كل الصناديق التي تحتوي على أموال الليبيين وأرصدتهم في الخارج، وطالبهم ببيانات تفصيلية عن موجوداتهم، ثوابت ومنقولات، أموالا واستثمارات، وضمّن كل ذلك في اسطوانة مدمجة، رسمت فيها الخريطة الحقيقية الوحيدة الصادقة والدقيقة لأموال الليبيين، ثم وزع على تلك الصناديق نسخ من الأسطوانة -أتصور على غيرهم أيضا- بحيث يستحيل اتفاقهم على الإنكار، أو التغيير.
الرجل مهنته الأرقام، وبالتالي نهجه الدقة، لم تتأخر استشرافاته طويلا حتى تحققت، لصوص مصارف محترفين سيطروا على خزنة ليبيا، وسيطر على التشريع فيها نوعيات رأت في عصابة داعش أياد أمينة، وأقرّوا بالتنسيق فيما بينهم قانونا، يسمح لمن يدلهم على أموال ليبية مخبأة، بأن يستولي على عُشرها!!
هذه جريمة نصب مكتملة الأركان، لا توجد أموال ليبية مخبأة، أرصدة الدولة موضوعة في صناديق واضحة ومعلنة، وكذلك استثماراتها، خرائط محمد الشكري تقتلع هذا القانون من جذره الفاسد، وتحيله إلى العدم.
لقد ضربهم مسبقا ضربة أستاذ كبير
هذا هو التفكير الاستراتيجي
وهكذا يكون رجل الدولة.
استشراف، واستباق.
لا أعلم ما إذا كان لازال ساريا هذا القانون اللصوصي أم لا، فلا حديث عنه في العلن، ولعلهم تكتموا كي يستأثروا بالأكل في الظلام، مستفيدين من حالة الفوضى.
لكن ذلك لا يدوم، وذات يوم قريب، سيدفع اليأس الليبيين إلى الميادين بعشرات ومئات الآلف ليجتثوا الاحتلال.
وحينما ينجزون ذلك، سيلتفتون إلى الفواتير القديمة، ويفحصوها، ولن يستفيقوا من هول صدمة ما سيجدوه، إلا عبر فرد خرائط الشكري المالية، ثم يتتبعوا كل دينار سُرق من أفواه أطفالهم، ويعيدوه إلى خزنتهم، ويعيدوا كل لص إلى مكانه الطبيعي.
خطورة، وبطولية، ومفصلية خرائط محمد الشكري، قد لا تتضح الآن
أنا أراهن على الوعي المجتمعي الذي ينمو -خلال المحنة- كل يوم بوتيرة متسارعة
وأراهن أيضا على لحظة اليأس المطبق الآتية، يوم يدرك عقلنا الجمعي أنه لم يعد لدينا ما نخسره، وأنه لا سبيل للنجاة سوى الاندفاع بكثافة إلى الشوارع.
محمد الشكري،، أيها المثقف المؤدب المحترم
أزعم أنني أتكلم بلسان كل الليبيين البسطاء الذين طحنت أعمارهم بين حجري الاستبداد والفساد.
على لسان هؤلاء أقول: شكرا يا ابن ليبيا البار
شكرا على الاحساس بالمسؤولية، شكرا على الاستشراف، شكرا على سد الثغرات
خرائطك تؤهلك -بجدارة- أن تعتلي مكانا مرموقا، بجوار الآباء المؤسسين للدولة الليبية، الإدريس وصحبه رحمة الله عليهم اجمعين.
لأنها ستكون حجر أساس بناء ليبيا الجديدة إن شاء الله.
لا عزاء لأي لص
رُسمت الخرائط، وحُفظت البيانات .
ـــــــــــــــــــــــــــ
*لم أكن أذيع سرا، ولا أغامر بتعريض حياة الرجل للخطر، هو نفسه نشر هذه الواقعة على صفحته منذ زمن.. لم يكن يُفاخر، ولم يكن يستدعي الماضي للتسلية، كان يدل أهله على خرائط كنوزهم، ومفاتيحها، ليستعيدوها ذات يوم .
كما أن الاسطوانة موزعة بحيث لن يجدي نفعا أي محاولة لطمس وجودها، فات الأوان كثيرا على ذلك.