* كتب/ عطية الأوجلي،
كان الامبراطور الصيني تاي تسونغ (28 يناير 598 – 10 يوليو 649) في بداية حكمه يعرف جيدا قيمة الحكمة وضرورة الاستفادة من تجارب الأخرين… فأصدر مرسومًا يقضي بتكليف أربعة من أشهر علماء الصين وسياسييها وأمهرهم بجمع المعارف التاريخية حول مبادئ الحكم من الكتب الكلاسيكية القديمة، والمجموعات التاريخية، ومن المئات من مؤلفات المدارس الفكرية الصينية، وأن يرتبوها ويستخرجوا منها الدروس الأكثر أهمية حول تهذيب النفس وإصلاحها، وإدارة العائلة، والحكم الجيد للبلاد، وسبل جلب السلام للعالم.
كان الامبراطور قد حُرم من مواصلة تعليمه لدخوله الجيش مبكرا في عمره… لذا كان يدرك أهمية التعليم والمعرفة ويسعى لتعويض ما فاته ويفتح قلبه وعقله وأذنيه لرأي الحكماء والمستشارين، ويحرص على تعدد مصادر المعرفة لديه وكان دائما ما يردد:
” إن حكمة الإمبراطور تعود إلى سماعه لمختلف الآراء، وأخطاؤه تعود إلى الاستماع إلى آراء طرف واحد”.
كما كان الامبراطور يسعى لتربية ابنه التربية الصالحة وكثيرا ما كان يدخل معه في حواريات تهدف إلى تحفيز التفكير وشحذ الذهن، فذات مرة سأل ابنه وهما يتجولان في حديقة القصر …..
– هل تعرف يا بني ما معنى أن تكون قائدا؟.. ما الذي يميزك عن غيرك من الناس لتقودهم؟
وقبل أن يجيب الابن، استمر الأب في الحديث قائلاً….
– إنه يا بني حقك وقدرتك على اتخاذ القرار … فاحرص عليها …فإذا فقدت هذه القدرة فسلم شارة القيادة لغيرك … ثم أضاف ….
– وهل تعرف يا بني من هو القائد الفعال… ؟…
إنه ذاك الذي يدرك الشرور التي قد تأتي من قراره فيتعاطى معها قبل اتخاذ القرار … لا تتخذ قرارًا قبل أن تتدارسه وتتشاور وتحسن تقدير الصعاب التي قد تواجهه وتستعد لها… لكن إن فعلت ذلك … واتخذت القرار … فقم بتنفيذه ولا تتراجع عن ذلك … ولو كلفك ذلك هذا … وأشار الامبراطور لرأس ابنه. … ففقدان رأسك هو أقل كلفة من فقدان السلطة لهيبتها.
ثم ختم حديثه قائلاً ….
لا مُلك إلا بأمة، ولا أمة إلا ولها ملك، فإذا استخدم الملك الأمة لقضاء أغراضه وملاذه فقد أصبح كالذي يقطع من لحمه ليشبع بطنه…… أعلم يا بني أننا مثل السفينة والناس هم الماء…. لا قيمة للسفينة دون ماء…. ولا قيمة لها في الماء الراكد … أو الهائج …. فاحرص على أن لا يركد الماء …. أو يهيج.