* كتب/ يوسف أبوراوي،
الفوضوية (الأناركية) هي دعوة معادية للدولة بكل صورها.. كان القذافي ينادي بها تحت شعار الديمقراطية المباشرة الجماهيرية والتي تعني ببساطة (الغوغائية)..
في كل مسيرته التي دامت أربعين عاما لم يعرّف القذافي بنفسه كرئيس للدولة أو رئيسا للوزراء. بل إنه قال في آخر خطاباته إنه لو كان يمتلك منصبا لاستقال منه مع أنه كان الحاكم الفعلي، وهو من ينصب من يشاء في أي منصب.
كان الوصف الوحيد الذي يرضيه هو وصف (الثائر).. نعم لقد كان ثائرا هادما لكل شيء، تماما كما يثور أي ثور في معرض للفخار والخزف.. ولك أن تتصور كيف سيكون المكان بعد هذه الثورة.
أما الميزة الحقيقية لهذه الطريقة في الحكم فهي المطاطية والزئبقية الشديدة.. فالثائر هنا هو المتحكم في كل شيء ولكن بشكل غير رسمي. حتى إذا حوكم لن تجد ما يدينه.. فهو في الخفاء من يضع المسؤول الوهمي وهو في العلن من يسبه ويدعي أنه مواطن عادي ينحاز للجماهير.. إن الثورة بهذا المعنى هي مجرد غطاء لكل أفّاق وجبان يردد شعارات جوفاء لينال كل المكاسب ثم يلجأ إلى الغوغائية إذا شعر بقرب خسارته.. إنه النفاق بديكورات رنانة باسم الدين والوطن.. فلا ننسى أن القذافي كان هو الثائر الأول وإمام المسلمين والمهندس الأول بل والرياضي الأول.
أما المفارقة العجيبة مع هؤلاء الثوار المجانين ومن يظنون أنفسهم من الأذكياء أن نهاياتهم تكون وخيمة جدا على أيدي ثوار جدد ممن كانوا يهتفون لهم في العلن ويلعنونهم في السر.. من ثوار جدد اكتشفوا أن ادعاء الثورة هو أقصر الطرق لنيل المكاسب والمغانم.
من عجائب التاريخ التي لا يرها من حجبت الأطماع أعينهم أن التاريخ يعيد نفسه بسرعة كبيرة وأحيانا بسيناريوات متطابقة.. وكل آكل مأكول!