* كتب/ أسامة اوريث
جميع دول العالم المتقدم سعت إلى تنمية الداخل/الريف. بشتى وسائل الجذب والتنمية والاستثمارات والخدمات مما دفع الى تنميتها أسوة بالمدن الكبرى. لكن في ليبيا العقود المظلمة/السابقة، كل شيء سار وكما تعلمون بالعكس!
الازدحام الذي حصلت في طرابلس بشكل أساسي ثم بنغازي – فمصراتة، جاء بسبب إهمال التنمية في المدن الصغرى والقرى والبلدات الأخرى.. حتى صار الجميع يتكدسون في طرابلس بصفتها عاصمة مركزية، أو بنغازي بصفتها المدينة الكبرى في الشرق، أو مصراتة بصفتها المدينة الكبرى في الوسط.
سبب تكتل من أسميهم بالجاليات الليبية في طرابلس، يندرج في تقديري تحت الأسباب التالية:
* صناعة عاصمة مركزية تحتكر الخدمات والوكالات والفروع والوزارات والمواصلات.. إلخ سبب في لجوء الليبيين إليها بصفتها تتمتع بجميع الخدمات.
* إهمال تنمية المدن المتوسطة والصغرى وبقية القرى والبلدات، بكل بساطة وإهمال تنميتها وتحديثها وتطويرها وتوسيعها.. إلخ، سبب في هجرة سكانها منها.
* سلبية ساكني المدن الصغرى والبلدات والقرى تجاه تنمية مدنهم في الدواخل! السكان أنفسهم مساهمون في بدائية مدن أو قرى أجدادهم، بإهمالها واتجاههم للإقامة في طرابلس وافتتاح أي عقار فيها.. وهذا سبب في توقف نمو مدنهم الأم. فحيث نجد كل قادر منهم، يقوم ببيع ممتلكاته أو عقاره أو مزرعته في مدينته أو قريته، ويتجه إلى طرابلس ليشتري فيها شقة ودكانا، وغالبا فقط شقة بالإيجار تكفي ليقضي بقية حياته موظفا وراكبا إلى عمله في الأفيكو.
وإذا كان طبيبا نراه يعود من إيفاده بالخارج ليقوم بافتتاح صيدلية أو عيادة أو مصحة في طرابلس، وإذا كان مهندسا سيفتتح مكتبا هندسيا في أحد أحياء طرابلس، ويهمل مدينته أو قريته التي يفترض أن ينشئ فيها عيادة أو شركة أو سوقا استثماريا أو غيرها.
المدينة التي تنمو وستنمو في ليبيا، هي المدينة التي لا يغادرها أبناؤها! هكذا وبكل بساطة، وفوق من ذلك وعلى العكس من غيرهم، تراهم يقومون بتنميتها وتطويرها وترقيتها وتحديثها. وعلى هذا الأساس نرى مدناً تصعد، كمصراتة مثلا، وأخرى -وهي أكثر من أن تعد- وكأنها لا تزال تعيش في القرن السابع عشر!.
وخلاصة هذه الفكرة، ليس كل شيء نلقيه على عاتق النظام الحاكم، بل أنت مسؤول بنفسك، إبدا بنفسك ومحيطك. وسترى النتائج على الأرض.
ولكن ومع ذلك؛ النظم الحاكمة مسؤولة وبشدة هي الأخرى؛ ولا يزال يتذكر الكبار غلاف مجلة ليبية سبعينية تقول واجهتها، وبتوجيه من اللجان الثورية القذافية:
” عرب الصحراء يزحفون على المدينة”
” حان وقت الزحف على المدن”!
وصورة مجازية لملايين بشرية تقتحم أسواراً عالية… الزحف تم بإذن الدولة… الزحمة والفساد و التلوث في طرابلس المسكينة .
أولا: بسبب قانون رقم 4 البيت لساكنه عام 78 الذي جعل ثلة من المتخلفين يدخلون طرابلس ويسكنون بيوتا لا يملكونها وبإذن من الدولة .
ثانيا: الزحمة والتلوث والمنظر غير الحضاري في طرابلس، تماما كما نرى اليوم، فحتى مع الترخيص للمظاهرات، يقوم بعض الناقمين بتخريب مؤسسات المدينة.
ثالثا: مشكل المركزية، وحله بسيط وهو التفكيك والتوزيع العادل للإدارات والسلطات، مما يعود بالراحة على عاصمة البلد نفسها بدل تراكم مؤسسات الدولة فيها وممارسة الضغوط السكانية عليها.
تعود أسباب هذه المركزية إلى أن القذافي خاف من انفراط عقد حكمه، بعد عدة تمردات حصلت في بداية 1980م.. فجمع بطريقة غبية 262 مؤسسة وشركة ومقرا تابعا للدولة الليبية من أصل 293 في ليبيا كلها حول خيمته في حصن باب العزيزية… مما جعل أي مواطن لديه غرض حكومي أو مصلحة عامة، لابد أن يذهب إلى طرابلس، والأحسن أن يهاجر إلى طرابلس، وبذلك تكدست طرابلس المسكينة بكل من هب ودب.. من الساحل الغربي والجبل وعموم الغرب والجنوب وحتى الشرق .
الزحمة غير العادية والتي حولت طرابلس إلى عشوائية بعدما كانت قبل نهاية السبعينات من أجمل مدن المتوسط وأنظف من تونس وعنابة ومراكش والقاهرة وبغداد ودمشق.. بسبب أن القذافي غضب على بنغازي ودرنة وهما كانتا مدناً حقيقية قبل انقلابه… فقد كانت درنة مدينة الزهر والعطر الأندلسي، بينما كانت بنغازي العاصمة السياسية الموازية مثل طرابلس تماما في دستور الاستقلال وحتى بعد تعديله عام 63 ..
(بسبب الجغرافيا الليبية الشاسعة.. وموقع طرابلس بالنسبة للكثيرين في أقصى الغرب الليبي)… تعمد القذافي تكديس طرابلس بالمتساكنة الليبيين. وتعمد إفراغ بنغازي (رباية الدايح القديمة) من كل الأشياء التاريخية الحديثة والعناصر البشرية القيمة التي جعلت منها مدينة ثانية مهمة… فحصلت هجرة شبه جماعية إلى طرابلس منذ الثمانينات والتسعينات.. وما زالت مستمرة.. وتكدست طرابلس بالبشر…. من الشرق ومن الجنوب بعد انتهاء (حقبة الشيوعية والاشتراكية).
الصورة: طريق أوباري – جنوب غربي ليبيا / الجماهيرية النموذجية العظمى سنة 2002م.