الرئيسيةالراي

رأي- تغيير سعر الصرف… الإيجابيات، السلبيات، والآثار

* كتب/ منير الساعدي،

حول قرار مصرف ليبيا المركزي الأخير بتعديل سعر الصرف، والذي أُعلن عنه في 6 أبريل 2025، ينضوي على خفض قيمة الدينار الليبي بنسبة 13.3%، حيث أصبح سعر الصرف الرسمي 5.5677 دينارًا مقابل الدولار الأمريكي، مقارنة بالسعر السابق 4.8 دينار. هذا التعديل يأتي في سياق اقتصادي معقد تشهده ليبيا، مع استمرار الانقسام السياسي والمؤسسي، وارتفاع الإنفاق العام، واعتماد شبه كلي على إيرادات النفط. سأقدم تحليلًا للإيجابيات والسلبيات المحتملة لهذا القرار وآثاره على الاقتصاد والمجتمع الليبي.

الإيجابيات:

  • تعزيز الإيرادات الحكومية: تعديل سعر الصرف قد يساهم في زيادة الإيرادات بالعملة المحلية من صادرات النفط، التي تُشكل أكثر من 95% من دخل الدولة. هذا يمكن أن يساعد في تغطية العجز في الميزانية وسداد الدين العام الذي تفاقم في السنوات الأخيرة.
  • تقليص الفجوة مع السوق الموازية: مع اقتراب السعر الرسمي (5.5677 دينار) من أسعار السوق السوداء (التي تتجاوز 6 دنانير أحيانًا)، قد يحد هذا من التهريب النقدي والمضاربة، مما يعزز الشفافية في التعاملات المالية.
  • تشجيع الإصلاحات الاقتصادية: القرار قد يكون خطوة نحو إصلاحات أوسع، مثل ترشيد الإنفاق العام وتنويع مصادر الدخل، خاصة إذا تم استغلال الإيرادات الإضافية في مشروعات تنموية مستدامة.
  • دعم المصارف التجارية: توفير العملة الأجنبية بسعر أكثر واقعية قد يخفف الضغط على المصارف ويحسن قدرتها على تلبية احتياجات المستوردين والمواطنين.

السلبيات:

  • ارتفاع التضخم وأسعار السلع: ليبيا تعتمد بشكل كبير على الواردات (أكثر من 80% من السلع الاستهلاكية)، وتعديل سعر الصرف سيرفع تكلفة الاستيراد، مما يؤدي إلى زيادة أسعار السلع الأساسية مثل الغذاء والدواء، وهو ما يؤثر سلبًا على المواطنين ذوي الدخل المحدود.
  • تآكل القوة الشرائية: مع ثبات الرواتب الحكومية منذ سنوات، فإن انخفاض قيمة الدينار سيقلص القدرة الشرائية للمواطنين، مما قد يفاقم الأوضاع المعيشية في ظل غياب خطة لزيادة الأجور.
  • عدم الاستقرار السياسي: القرار قد يثير استياءً شعبيًا واسعًا، خاصة إذا لم يتم تبريره بشفافية أو دعمه بإجراءات تعويضية، مما قد يزيد من التوترات في بلد منقسم بالفعل.
  • توقيت غير مناسب: كما أشار بعض المحللين، مثل عضو مجلس إدارة المصرف السابق امراجع غيث، فإن القرار قد يكون متسرعًا، خاصة مع تحسن طفيف في الأوضاع الاقتصادية قبل أشهر بفضل إنتاج النفط القياسي (1.4 مليون برميل يوميًا في 2024).

الآثار:

■ على المواطنين: التأثير الأكثر مباشرة سيكون على مستوى المعيشة، حيث سترتفع تكاليف الحياة اليومية. بدون زيادة في الرواتب أو دعم حكومي، قد تزداد حدة الفقر والاستياء الاجتماعي.

■ على الاقتصاد: على المدى القصير، قد يحقق القرار استقرارًا نسبيًا في توفير النقد الأجنبي، لكنه لن يعالج التحديات الهيكلية مثل الاعتماد المفرط على النفط أو الإنفاق الموازي مجهول المصدر. على المدى الطويل، نجاح القرار يعتمد على وجود سياسات مكملة مثل ميزانية موحدة وإصلاحات مالية.

■ على القطاع الخاص: المستوردون والتجار سيواجهون تكاليف أعلى، لكن توفير العملة الأجنبية قد يسهل عملياتهم إذا تم تنفيذ القرار بفعالية عبر المصارف.

■ على الاستدامة المالية: إذا أُديرت الإيرادات الإضافية بحكمة، يمكن أن تدعم الاحتياطيات النقدية وتساهم في استقرار الاقتصاد، لكن ذلك يتطلب تنسيقًا بين المؤسسات في ظل الانقسام الحالي.

التقييم العام:

القرار يعكس محاولة لمواجهة أزمة مالية متفاقمة، لكنه يفتقر إلى رؤية شاملة تجمع بين تعديل سعر الصرف وإجراءات داعمة مثل زيادة الرواتب أو ترشيد الإنفاق. الإيجابيات المحتملة (زيادة الإيرادات وتقليص الفجوة مع السوق الموازية) قد تُقوَّض بالسلبيات (التضخم وتدهور المعيشة) إذا لم يتم تعزيز القرار بخطة اقتصادية متكاملة. التجارب السابقة، مثل توحيد سعر الصرف في 2020 إلى 4.48 دينار، أظهرت أن التعديلات النقدية وحدها لا تكفي بدون إصلاحات هيكلية.

في النهاية، نجاح هذا القرار يعتمد على قدرة المصرف المركزي على التواصل مع الجمهور، وإشراك الجهات السياسية المختلفة لضمان التنفيذ الفعّال والاستدامة، وهو أمر يبدو صعبًا في ظل الواقع الليبي الحالي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى