الرئيسيةالراي

رأي- بين ملائكة الصحافة وشيطان الكلمة

* كتب/ د. محمود أبوزنداح،

حين يرتدي الصحفي ثوب النقاء، تتجلّى الصورة صافية كما هي، بلا رتوش ولا تزوير، فيصبح الإعلام مرآة للواقع وضميراً للأمة. غير أنّه ما إن تتدخّل الأيديولوجيا وتتحوّل الصحافة إلى منبر تعبئة وتحريض، حتى يفقد الخبر نقاءه ويتحوّل إلى سلاح مشوّه يزرع الكراهية بدل أن ينير الحقيقة.
لقد علمتنا تجربة شارلي إيبدو أنّ بعض المنابر الإعلامية ليست سوى قاعات لتفريغ الحقد، ومصانع لإنتاج الكراهية، تتغذى من مستنقعات الأخبار الملفّقة وتنهل من مجاري الفكر الصهيوني. صحافة كهذه لا تعرف للإنسانية طريقاً، ولا للعقلانية وزناً، إذ لا ترى في العرب والمسلمين سوى عدواً أبدياً، تتلذذ بتشويه صورتهم وتبرير جرائم جلاديهم.
قبل عقد من الزمن، خرجت خمسون شخصية من قادة العالم في مسيرة صاخبة، يتباكون على مقتل صحفي لم يفعل سوى أن حوّل الحقد إلى رسومات مسيئة، بعيدة عن جوهر الصحافة وأخلاقياتها. حينها تغنّت المنابر الغربية بحرية شارلي إيبدو، بينما كان أول الواقفين في الصف، وأكبر المتباكين، رئيس وزراء الكيان الصهيوني نفسه؛ قاتل الحقيقة وهادم الإنسانية.
اليوم، يُقتل الصحفي لأنّه يروي الحقيقة، ويُطارد الكاتب لأنّه يرفض تحريف الصورة. يُذبح الصوت قبل أن يُسمع، وتُكسر الأقلام قبل أن تُكتب. ومع ذلك، تصمت الصحافة العالمية، بل هناك من ينكر موت الكلمة، ومن يتواطأ ويشجّع على خنقها.
إنّه عارٌ عالمي، فضيحة النفاق في أقسى صوره: صحافة تدّعي الدفاع عن الحرية حين يخدم الأمر مصالحها، وتصمت أو تبرّر حين يكون الضحايا من العرب أو المسلمين. وهنا يظهر الفارق الفاصل بين ملائكة الصحافة التي تنحاز للإنسان والحقيقة، وشياطين الصحافة التي تبيع الكلمة في سوق الكراهية وتسوّق الدم على أنه حرية.
وكم هو مرٌّ هذا المشهد حين تتغنّى أبواق الغرب بالحرية، بينما تغلق أبوابها في وجه الحقيقة. كأنّ الحرية عندهم طائرٌ أبيض يحلّق فوق سمائهم وحدهم، فإذا اقترب من سماء الشرق قصفوه بالرصاص، ثم أنشدوا مراثي الحرية أمام جثمانه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى