رأي- بين طرابلس وإسطنبول
* كتب/ أبوبكر مصطفى البغدادي
لا يفوت يوم إلا ويطالعنا تصريح لمسؤول تركي يتحدث عن مستجدات القضية الليبية، وليس أي مسؤول، فهو إن لم يكن الرئيس بنفسه فإنه من دائرته المقربة جدا.
وسائل الإعلام التركية تفرد مساحات من بثها لتسليط الأضواء على العدوان الذي تواجهه ليبيا، وقنواتهم تصدره كخبر رئيسي أول في نشراتها. وتفضح الانتهاكات المصرية الإماراتية الروسية في ضواحي طرابلس وفوق أحيائها، إنهم يخاطبون الشعب التركي. فهل من يخاطب الشعب الليبي؟
الإعلام التركي دأب منذ توقيع مذكرة التفاهم على الحدود البحرية مع ليبيا على تهيئة الشارع التركي لخطوة قد تتخذها حكومته، تدخل بموجبها في مواجهات إقليمية، تخبره بأن هذه المواجهات المحتملة هي للدفاع عن مصالح تركيا العليا، وتدعوه للالتفاف حول قيادته التي لا تلقى إجماعا في الظروف العادية، وتربط هذه الأمور بليبيا بشكل لا لبس فيه، فهي مستعدة لتسخير إمكانيات عسكرية للدفاع عن طرابلس الغرب وحكومتها، وجاهزة لإرسال جنودها للحرب دفاعا عنها في مواجهة القوات الغازية، مخاطبة كل أطياف الشعب التركي، رافعة صوتها لتسمعه لأوروبا والعالم، مذكرة بتاريخ مشترك لها مع ليبيا كانت فيه طرابلس جزءا من دولة “سليمان القانوني”، وتذكرهم كيف حارب “أتاتورك” ورفاقه الغزو الإيطالي لليبيا مطلع القرن الماضي.
بات الليبيون يتابعون القنوات والصحف التركية، ويحفظون أسماء الوزراء الأتراك وأعضاء البرلمان والمستشارين والمبعوثين الخاصين، وحتى عندما يريدون متابعة تصريحات حكومتهم ورئاستهم فإنهم يلجؤون إلى وسائل الإعلام التركية التي لا تغادر إحداها إلا لتحل أخرى ضيفا على المجلس الرئاسي ووزراء حكومته.
صحيح أن العرب يمرون بأسوأ فترات تاريخهم، فمصر يحكمها أبله، والإمارات يعبث بها قرصان، وأرض الحرمين يزري بها هبل والسدنة، وعبدالله الأردن هو حفيد شريف مكة الذي قوض أخر دولة توحد المسلمين.
صحيح أن اليمن خربته هذه الدول، والسودان اشترته، وتونس غزتها بالإعلام المأجور، والجزائر لم تتركه لحاله. لكن ليبيا.
ليبيا الآن تواجههم في وضح النهار، الليبيون يجودون بالأرواح رخيصة فداء لبلادهم، فأي شيء ينتظره الرئاسي وحكومته ليوثق الصلة بالليبيين ويتحالف معهم؟ أي شيء يمنعه من النزول إليهم على خطوط النار والوقوف على ظروفهم؟ واحتياجاتهم واستعداداتهم، والاستماع إلى أصواتهم ومطالبهم؟ وأي شيء يمنعه من إطلاعهم على آخر نتائج جولاته ومفاوضاته؟ والتحدث عن العقبات التي تواجهه، واستشارتهم؟ هل كثير عليهم؟ ألا يحتاجون على الأقل إلى رفع معنوياتهم بتواصل من هذا النوع؟ أليسوا الأولى بإسناد الظهر إليهم للتفاوض بالفم الملآن؟
أي شيء يمنع السراج من مخاطبة شعبه مباشرة؟ لا نسأله الظهور في الساحات العامة، أو الشوارع والميادين؟ ولا نطلب منه زيارة الجرحى أو التجول في المدن فبعضها يعاديه؟ لكن لا نكتفي منه بحديث في صحيفة إيني شفق التركية أو الغارديان الإنجليزية أو لوموند الفرنسية، أو الظهور على شاشة آر تي الروسية، وتي آر تي التركية، والأونو الإيطالية.
أخرج لهم على قناتك الرسمية، خاطبهم كما يخاطب الرئيس شعبه، تظاهر على الأقل أنك منهم، ولن يسيء إليك في شيء لو بعثت إليهم برسائل التعزية والمواساة والطمأنة، لن يسيء إليك أبدا.
ليبيا الآن بحاجة إلى هذا التواصل ونحن في أتون المعركة الصعبة؟ فأمام ليبيا مشوار طويل من العمل للنهوض من كبوة الجواد، فما تواجهه ليس بالهين، خذلان الأصدقاء، وغدر الأشقاء، وتطاول البلهاء، وإن لم نشبك خيوط غزلها الآن لرتق الخرق، فقد تبحث بانتهاء الحرب عن رأس خيط فلا تجده، في طرابلس ولا إسطنبول.