الرئيسيةالرايثقافة

رأي- بلد الكتّاب المُنهكين!

* كتب/ محمد جمعة البلعزي،

إلى جانب الكتابة والتأليف.. نلتزم نحن الكتّاب.. وخاصة الكاتبات.. بأسلوب وجودنا في هذا العالم.. لكونه يتطلب منّا الاهتمام بكل شيء تقريباً.. بل بكل شخص تقريباً.

نشأتُ على فهم أسباب الجديّة التي اتّسمت بها والدتي.. وكآبتها الدائمة.. كان السبب الأساسي بسيطاً مباشراً ومُربكاً: كانت مُرهقة.. مُنهكة من كثرة عمل البيت.. كفرسٍ نافقة في نهاية سباقٍ لا ينتهي.. قرأت في كتاب لمؤلفة أجنبية عنوانه “بذور القرع”.. تقول: “حسنًا.. نحن بنات تلك الأفراس.. ليس فقط المنهكات جسدياً.. بل أدبياً أيضاً.. فبلدي بلد الكتّاب المنهكين”..

كاتبة أخرى قالتً: “كنتُ مؤخراً جد متوترة (…).. ما لم أكن أعرفه أنهم اكتشفوا توتّري في بلاد الغربة.. قالوا لا تذهبي إلى هناك أبداً.. الكل يعلم أن الحياة صندوق بكاء تُنفى إليه نفسك. بقولي هذا لا أخترع شيئاً جديداً.. لأنه يأتي وقت لا يبحث فيه الإنسان عن الراحة.. بل عن كبح جماح نفسه.. عن الاختفاء.. بل البكاء من شدة الإرهاق.. باختصار.. نحن في حاجة ماسة إلى السكينة.. “فما هي شدة التعب؟ هل نحن الكتًاب متعبون إلى حد اليأس؟ هل الكاتبات فقط أم كل النساء؟ هل كل نساء الأرض أم كل نساء العرب؟ تحديداً ما المرهق في ذاك؟ إضافة إلى الكتابة.. السبب أن الكتّاب والكاتبات ملتزمون بطريقة وجودهم في هذه الدنيا.. التي تتطلب منهم الاهتمام بكل شيء تقريباً.. وبالذات: كيف تعتني بنفسك.. كيف تتصرف في عالم مليء بالجهلة.. كيف تعلّم أبناءك وأحفادك (إن وجدوا).. أيضاً أسلافك.. فوالداك تعلّما بشكل سيئ وعلّماك بشكل رديء.. اعتقاداً أن طريقتهما تنسجم وروح المجتمع الذي يروّضك ويلقنّك أسلوب حياته، قبل أن تستخدم عقلك للتعلم.. باختصار.. كيف نجعل العالم يتوقف عن افتراسنا وافتراس نفسه.. مهمة يلزمها التعايش مع المتطلبات المادية للبقاء على قيد الحياة.. وقبل كل شيء.. عليك ألا تلوّث الأفكار المعلبة بكتاباتك.. وإلا أخضعوك تذنيباً.. لأن الفكر والأدب ليسا برنامجاً سياسياً.. بل يحتاج إلى مساحة فارغة يصعب التغلب عليها بشكل مطّرد.. هي مساحة العقل.. كل هذا يسبب استنزافاً وجودياُ يائساً للكاتب أو الكاتبة.. نتيجة للتساؤل المستمر عمّا إذا كان كل هذا الجهد في ما يكتبه يستحق ذاك العناء.. إذا كان عالمنا العربي يتحدث باهتمام عن وجوب إزالة شعر إبط المرأة.. وهل هو عورة أم لا.. أو أن الرجل يحق له رضع ثديٍ امرأة حتى تحرم عليه.. أو النبش في فلسفة المرأة وراء ارتداء فساتين بألوان معينة.. وإذا الصحافة تحلّل باهتمام شديد كم تكلفة تلك الفساتين.. أو أن يرقص الرجال طرباً احتفاءً بقدوم فنانة داهية في علم تدفق الدم في ذيول الذكور.. أو كم من الدموع تذرف الأم ألماً عندما يمتص رضيعها حليب الثدي.. كل ذلك مساحات تبعدك عن الهدوء المحايد.. بل تجعلك تميّز من الغيظ.. هل حقاً تضيع حياة كتابنا وكاتباتنا بين هذا وذاك؟ ماذا لو لم يفعلوا ذلك؟ تشرح الكاتبة روزاريو فيلاخوس ما سيحدث: “يظل رفض الواقع أمراً جريئاً.. لكنك بعد أن ترفضه تجد أنك بدأت تفقد المقرّبين منك.. العالم يدور حولك دون اهتمام بما قلت.. كتاباتك لن تحدث شيئاً.. أمر طبيعي.. لأن الآخرين لم يدركوا مغزاك.. فتعلم أن تقول لا.. حتى وإن ارتد صوتك إلى خلفك”.. على الرغم من أنني أتساءل كيف يمكننا أن نقول نعم وفي ظل أي ظرف؟ أنا أحتضن هدفي.. الذي يبدو كالكتابة.. ينطبق في الواقع على كل شيء: أن أتعامل مع الأمور بلطف أكبر.. أن أفكر في الأمور بعناية أكبر.. أن أتحدث أقل ولكن براحة أكبر.. لا أعلم إن كنت تشعر بالتعب على الجانب الآخر.. لكني أنصحك بقراءة ما ينشره الكتّاب المنهكين لفهمهم.. كي تفهم حقيقة نفسك!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى