رأي- انغلاق
* كتب/ يوسف أبوراوي
القرآن الكريم كتاب المسلمين الخالد يروي صراحة كل أنواع النقاشات والحوارات من نقاش إبليس لله ورفضه أمر السجود لآدم، إلى نقاش اليهود وزعمهم أنهم شعب الله المختار، إلى نقاش النصارى في زعمهم أن المسيح بن مريم هو ابن الله، إلى نقاش الماديين وإدحاض حججهم.. إلى غير ذلك من النقاشات التي تشعر القارئ بأنه كتاب نقاش وحوار.. ثم تترك حرية الإيمان بكل هذه الحقائق للإنسان نفسه، بعد أن تقول له إن مغبة إنكار الحقائق سيكون وخيما متى جحد وإنكر بلا دليل.
الغريب في مسارنا التاريخي أنه تم إنتاج أصناف من المتدينين -وخاصة في الأزمنة المتأخرة التي تخلفنا فيها في كل شيء- يؤمنون بأنهم يمتلكون الحقائق المطلقة في كل شيء، ويطلبون من غيرهم عدم إثارة ما اطمأنوا إليه من حقائق، بل يتهمون كل من خالف مصادرهم ومشائخهم أنهم مخالفون لهدي الدين وجادته.. ثم انقسموا هم أنفسهم إلى فرق وأحزاب في فهم كلام هؤلاء الشيوخ، وربما سفك بعضهم دم بعض دفاعا عن تعصباتهم.
عدم الوعي بخطأ هذا المسلك الانغلاقي يحيل معتنقيه إلى كائنات محنطة عقليا وروحيا يتلقون تعليمات الشيوخ والكهنة بطريقة تقارب الأوامر العسكرية.. وربما هذا ما يجعلهم يؤيدون وينسجمون مع تلك الأنظمة الديكتاتورية التي تتفق مع بنيتهم الفكرية القهرية.. عليك أن تسمع وتطيع لا أن تفهم وتتفاعل وترتقي وتتهذب.
.
إن الرجوع إلى زمن ازدهار الإسلام كمفكرين ومجتهدين يبحثون مسألة ويختلفون فيها حتى مع غير المسلمين، وزمن ازدهار المسلمين وسيادتهم في امبراطورية كبيرة كان لها أثر لا يمكن إنكاره في مسار العالم التاريخي، سيخبرنا أن كل ذلك ارتكز على التسامح والحوار.. بينما انتكاستهم قد بدأت بتحريم الاجتهاد والتفكير على المستوى العقلي ثم انهيارهم كدول وكيانات على المستوى السياسي.. ولكن ضوء الشمس غالبا ما يضر العيون المريضة الكليلة بينما تستمتع به العيون القوية الصحيحة.