الرئيسيةالراي

رأي- النيابة العامة تقبض على الثقافة في معرض الكتاب..!!!

* كتب/ خالد الجربوعي،

في مشهد غريب وعجيب يتصدره النائب العام ورجال القضاء والقانون والنيابة، وكل من لهم علاقة بتحقيق العدالة وتطبيق القانون، وللعام الثاني على التوالي افتتحت خلال الأيام الماضية النيابة العامة أبواب معرضها الدولي الثاني للكتاب بكل ما يصاحبه من أنشطة ثقافية وفنية مختلفة، من ندوات وورش عمل وأمسيات شعرية ومعارض فنية وغيرها، مما يرتبط بالثقافة وشؤونها.. ليتقدم النائب العام ورجال العدل والنيابة الحضور، يرافقهم بعض المتعطشين لمثل هذه المعارض من كتاب وصحفيين ومحبي الكتاب والقراءة، وكل من يبحث عن الثقافة وأنشطتها الذين يبحثون عن مثل هذه الفرصة، التي فقدت من الساحة المحلية في العاصمة طرابلس لحوالي عقد من الزمن تقريبا، في ظل تراجع الجهة المعنية بالأمر ألا وهي وزارة الثقافة والتنمية المعرفية، “الغائبة بكل أنواعها وأنواع معرفتها الفعلية”، وعدم قيامها بدورها في مثل هذا الحدث الهام والمطلوب دائما، ومنها العمل على إعادة الحياة لمعرض طرابلس الدولي للكتاب، المتوقف منذ حوالي 10 سنوات، بعد إحدى عشر دورة سابقة، طيلة عقود من الزمن، بسبب الانقطاع والتوقف المتكرر لهذا المعرض، والذي انطلق في أولى دوراته في ابريل 1981 وتوقف عند اخر دوراته في اكتوبر 2013.. رغم انه قد تم الإعلان في السنة الماضية 2024 عن الاستعداد لإعادة الحياة لهذا المعرض، لكن مرت السنة وخلفها أخرى تكاد تودعنا، ولا حياة ولا مكان لهذا المعرض على ارض الواقع.. رغم كل اللجان التي  شكلت للإشراف عليه وإقامته بعد إعلان وزيرة الثقافة من قلب القاهرة خلال مشاركتها في معرضها الدولي للكتاب العام الماضي، عن عودة هذا المعرض للحياة من جديد، بعد أن عقدت الوزيرة حينها عدة اجتماعات مع اتحاد الناشرين العرب، واتحاد الناشرين المصريين، واللقاء بالناشرين الليبيين المشاركين في ذلك المعرض، تم خلالها مناقشة الترتيبات لعودة انعقاد معرض طرابلس الدولي للكتاب سنويا، اعتبارا من الدورة الثانية عشر، التي كان من المفترض أن تعقد في السنة الماضية 2024 كما أعلن عنه..

لكن مر الأمر مرور الكرام، دون أي متابعة أو حتى محاسبة أو معرفة أسباب الفشل، وعدم إمكانية إقامة وعودة معرض طرابلس الدولي للكتاب بكل فعالياته الثقافية، وينتهي الحديث عنه وعن أي مجهود لإمكانية إحيائه من جديد حتى اليوم.

وفي غياب وزارة الثقافة عن دورها في إقامة معرض للكتاب، وجدت النيابة العامة الفراغ والفرصة للقيام بدور يفترض أن لا علاقة لها به، ومن آخر اهتماماتها لتكون بديلا عن الجهة المختصة، وتقيم معرضا خاصا بها للعام الثاني على التوالي، دون أي تواجد أو إحراج للجهة المسؤولة، ومن يفترض أن وجودها هو من أجل إقامة مثل هذه الأنشطة بكل أنواعها، ليس في طرابلس فقط، بل في كل أنحاء البلاد وعلى مدار السنة.

بل حتى الجهات الأخرى والتي يمكن أن يكون لها دور في إقامة مثل هذه المعارض، وقريبة من الكتاب وما يرافقه من أنشطة، مثل وزارة التعليم بشقيها العام والعالي، ومؤسساتها التعليمية، والتي كانت لا تخلو من مثل هذه الأنشطة والمعارض على مدار العام الدراسي في سنوات ماضية، أصبحت لا دور لها ولا مكان لمثل هذه المعارض، وكل ما يتبعها، ويمكن أن يساهم في نشر ثقافة الكتاب والثقافة بين تلاميذها وطلابها بكل فئاتهم ومستوياتهم التعليمية المختلفة، وكأن الكتاب والأنشطة الثقافية أصبحت آخر اهتمامها واهتمامات من يتبعها طيلة العام الدراسي.

لنعيش في ليبيا كل يوم حدثا جديدا، يقلب كل المعايير ويكون خارج المسار والمنطق الطبيعي للأحداث و واقعها الفعلي، وإن كان الأمر ليس بجديد، خاصة في السنوات الأخيرة، وفي بلد قيل عنه يوما منه يأتي كل جديد لكن أي جديد.

لتتصدر النيابة العامة حدثا لا أعلم مدى علاقته به فعليا، تاركة كل أعمالها وأساس وجودها لتحقيق العدالة وتطبيق القانون، وإنهاء إجراءات ملفاتها المكدسة منذ عقود، والتي كما أخبرنا نائبها العام تتجاوز المليون محضر استدلال، لم يتم البث فيها عقب إدخالها في منظومة رقمية من أجل الإسراع في إجراءات الفصل في كل هذه الشكاوى.. مؤكدا أن معظمها من الجرائم الخطيرة، منها حوالي 12 ألف جريمة منظمة ارتكبت بعد 2012، وغيرها من جرائم تتعلق بكل أنواع الإجرام، من تزوير لأرقام وطنية، إلى جرائم الهجرة غير النظامية، وغيرها من مخالفات وخروج عن القانون، ومثل هذه الأعداد والأرقام تتطلب جهودا مضنية وغير عادية طيلة الوقت دون توقف، حتى يتم البث فيها وإنهاء إجراءاتها.. وهو ما كان يفترض ان تشغل به النيابة العامة وقتها وجهدها، وكل إمكانياتها البشرية والمادية لاستكمالها في أسرع وأقرب وقت ممكن، لا الانشغال بأمور أخرى خارج مهامها ودورها الفعلي والقانوني، وما وجدت من أجله فعلا..

أم أنها أرادت أن تحرج غيرها، وتقبض على وزارة الثقافة وتكشف غيابها عن القيام بدورها الحقيقي، بمثل هذه المعارض الثقافية، وهو ما كان يفترض عليها بالتعاون مع الجهات الرقابية الأخرى أن تفتح لها ملفات التحقيق والمحاسبة والاتهام، لمعرفة أسباب غيابها عن القيام بدورها، وتأخرها عن إقامة مثل هذه الأحداث والفعاليات الثقافية، التي تعتبر من أسس وصميم وجودها وكل العاملين بها.

ولو أن الأمر توقف عند معرض للكتاب القانوني وما له علاقة بالعمل القضائي، وما هو مرتبط بأعمال القضاء والنيابة وغيرها، لكان الأمر منطقيا ومقبولا، أو حتى معرضا خاصا داخل أحد أروقتها، وللعاملين بها ومن لهم علاقة وارتباط بأعمالها، لكان الأمر أيضا داخل المسار والمنطق، لكن أن يتم الأمر على هذا النطاق الواسع ليكون معرضا دوليا لكل أنواع الكتب، ترافقه عديد الأنشطة الثقافية الأخرى، من ندوات فكرية ومحاضرات متعددة ومختلفة، ومعارض للخط العربي والفنون، وأمسيات شعرية، إضافة إلى مشاركات عدد من دور النشر الخارجية من دول أخرى، عربية وأجنبية، لتقدم وتعرض كل أنواع الكتب والمؤلفات المختلفة التي لا علاقة لها لا بقانون ولا نيابة وعمل قضائي أصلا.

الأمر الذي يضع الكثير من علامات الاستفهام والتساؤل عن الغاية من مثل هذا الفعل وما وراءه حقيقة من الجهة المشرفة عليه، ويضع وزارة الثقافة وتنميتها المعرفية المجهولة والمفقودة من الأساس في قفص الاتهام والمحاسبة، والقبض من قبل النيابة العامة!

وهو ما يجعلنا لا نستغرب في يوم من الأيام إن قامت وزارة الزراعة بإقامة معرض للطيران.. ووزارة الصحة بعرض للسيارات.. وجهاز الرقابة يشرف على إقامة الدوري الليبي لكرة القدم في ظل تخبط الاتحاد المناط به ذلك.. فيما يمكن لديوان المحاسبة أن يعمل على تنفيذ مشروع السكك الحديدية المتوقف منذ سنوات، وغياب الجهة المعنية لإنجازه عن دورها في ذلك، رغم كل ما تشغله من مواقع وما له من موظفين.. مثلها مثل وزارة الثقافة الغائبة عن دورها الفعلي.. والمحكمة العليا تشرف على بطولة ليبيا الدولية لقفز الحواجز، وإعادة مهرجانها المغيب منذ عقود بعد ما حققه من نجاح في سنوات طويلة ماضية.. فيما يصبح على الثقافة أن تفتح أبوابها للتحقيق مع المتهمين و الخارجين عن القانون وأصحاب السوابق، وتصدر عليهم الأحكام وتزج بهم في السجون.. فمادامت المعايير انقلبت وأصبح كل يتدخل في شؤون الآخرين وأعمالهم التي تركوها دون القيام بها، سيصبح من حق غيرهم أن يفعلوا نفس الفعل، والقيام بما لا يخصهم ولا علاقة لهم به، وما حد خير من حد.

وهكذا كل جهة أو مؤسسة تترك عملها الأصلي وتبحث عن أنشطة وأعمال خارج اختصاصها ودورها الحقيقي، لتختلط الأوراق وتنقلب كل الأحداث والمعايير أكثر مما هي منقلبة منذ سنوات، ونصبح لا نعرف مهام كل مؤسسة ووزارة ودورها المناطة به، والذي وجدت من أجله أصلا دون التدخل في أنشطة الآخرين، وترك مهامها خارج الفعل والسياق.

هذا الكلام قد لا يعجب الكثيرين، وقد يجده البعض تجنيا على الجهة المنظمة، خاصة محبي الكتاب، ومن يطلبون الأنشطة الثقافية الغائبة من سنوات، دون أن يهمهم من يقوم به أو يقف خلف تنظيمه، وهو أمر لا حرج فيه ولا عيب عليهم، فهم لا يعنيهم من يقف وراء مثل هكذا حدث يقدم لهم الكتاب والثقافة على طبق، حتى لو كان من قانون، فالمهم عندهم أن يكون للكتاب مكان ومعرض، يفتح أبوابه لهم، وهو أمر لا يلام عليه أمثالهم.

لأن العيب كل العيب والحرج كل الحرج ينحصر أولا في الجهة المعنية بإقامة مثل هذا النشاط الثقافي الهام.. بسبب غيابها وتقصيرها في القيام بدورها، ثم يأتي بعد ذلك على من استغل الفراغ وأخذ ما ليس من مهامه ولا من دوره حقيقة.

وما يجعلنا نذكر هذا الكلام وننتقد من وراءه والسبب في حدوثه أساسا بكل تفاصيله، هو أن مثل هذا الفعل يفتح الباب لأمور أخرى، ويجعل أخذ اختصاص الآخرين أمرا عاديا وطبيعيا، في دولة انقلبت فيها كل المعايير، وتركت الكثير من الجهات اختصاصاتها الأصلية وبحثت عن أعمال وأفعال قد تقدم له بعض الشهرة والدعاية، وتتصدر المشهد أو تحسن صورتها أمام الجهات الأخرى وبقية المواطنين عامة.. لهذا بدل أن نرفض هذا الكلام أو نتعجب من نشره ونفتح الحديث عنه، يجب علينا أن نفتح باب المحاسبة للجهة المعنية بالعمل الثقافي في البلاد، ونضعها أمام مسؤوليتها، لتكون هي صاحبة مثل هذا الحدث، وهي من تقف وراءه بكل تفاصيله.. بل يجب أن يفتح ملف غياب مثل هذه الأنشطة الثقافية التي هي من لب اختصاصها للتحقيق والمحاسبة من قبل الجهة التي وضعتها في مثل هذا الموقف، والتي دورها هو المحاسبة والتحقيق لا المعارض والثقافة، وما لا علاقة له به أصلا وأن يكون القبض على من وضعت بيدهم مسؤولية الثقافة داخل أرواقه القضاء والمحاكم لمعرفة أسباب عدم قيامهم بدورهم، لا القبض عليهم داخل أروقة معرض للكتاب للقيام بدورهم بدلا منهم، وإحراجهم وإحراج كل من يدعي أنه من أهل الثقافة، ويدعم من يديرون مؤسساتها الفاشلة البعيدة كل البعد عن القيام بدورها الحقيقي.. وأولها إقامة معارض للكتاب كان لا يجب أن تتوقف طيلة العام وفي كل أرجاء البلاد.

فهل وصل الكلام وأبلغت الرسالة؟ أم أن هناك عدم اهتمام؟ وكل يفعل ما يحلو له؟ وليذهب الاختصاص والنظام إلى الجحيم كما ذهب من البلاد الكثير من المنطق والأمن والقانون، والمؤسسات الفاعلة بكل أنواعها؟!..

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى