
* كتب/ خالد الجربوعي،
النقاش الليبي يبدو أنه تجاوز النقاش البيزنطي، وتغلب عليه بشكل مطلق، حتى أصبح النقاش البيزنطي بسيطا جدا أمام النقاش الليبي العقيم، في جل مراحله، فبينما توقف النقاش البيزنطي عند مشكلة أيهما أولا البيضة أم الدجاجة، فإن النقاش الليبي تجاوز كل ذلك وأصبح لا يعرف ماذا يريد أصلا..
لم تعد تهمه أيهما أولا الدجاجة أم البيضة، ولكنه يريد أن تكون له كلمة في كل حديث، ويريد أن يعرف لون البيضة قبل أن تخرج من الدجاجة، وبعد خروجها يريد أن يعرف لماذا خرجت بهذا اللون، ولم تخرج بلون آخر.. ولماذا خرجت في هذا الوقت بالذات، ومن وراء إخراجها، وهل هي مؤامرة داخلية أو خارجية التي تسببت في خروجها من الأساس، في هذا الوقت وبهذا اللون وهذا الحجم..
أما الدجاجة فيريد أن يعرف لماذا لم تنتظر قبل أن تخرج، ولماذا أخرجت الدجاجة البيضة في هذا المكان ولم تذهب إلى مكان آخر، ولماذا عندما أخرجت بيضتها ولم تضعها في مكان معين.. إلى آخر مواضيع النقاش الليبي التي أصبحت لا تنتهي ولا تجد لها أي هدف ولا معنى، فهي دائما تنتقد الحدث قبل وقوعهن وعندما يقع وبعده.. فإن حدث الأمر بشكل ما يصبح مشكلة، والكل يقول لماذا لم يحدث بشكل آخر، وعندما يحدث بالشكل الآخر يحدث نفس النقاش، ويصبح مشكلة، ولماذا لم يحدث بالشكل الأول.. المهم المشاركة في أي نقاش عن فهم أو عدم فهم.. بل أصبح أكثر المتحدثين وأصحاب النقاش والكلام الأكثر هم أقلهم معرفة وخبرة وعلما بالأمر..
المهم أنهم يريدون أن تكون لهم في كل موضوع كلمة؛ لكي يثبتوا للآخرين أن لهم صوتا، ولديهم ما يقولونه، حتى لو كان لا قيمة له ولا معنى. فأصبح كل شيء متاحا للحديث وللنقد والطعن، عن معرفة وعدمها في جل المواضيع، ما حول النقاش البيزنطي إلى أمر مقبول وجميل جدا، أمام ما يحدث في النقاش الليبي العقيم الذي أصبح لا معنى له ولا قيمة ولا طعم في جل مواضيعه وأحاديثه، وأكثر متحادثيه.
وكان ما فهمت شيء فاعلم أنه نقاش ليبي بامتياز.