رأي- النفاق السياسي الغربي، ضيع اللبن
* كتب/ أبوبكر مصطفى البغدادي
عقب هجوم حفتر على طرابلس في مطلع أبريل 2019، بعثت وزارة الخارجية الليبية إلى كل من لندن وباريس وموسكو، تطلب استقبال وزير الخارجية محمد سيالة في زيارة رسمية، بعضها رفض والبعض تجاهل، واستقبلته الكويت حينها.
كان المشهد وقتها يوحي بأن شيئا قد حسم، وهو تنصيب حفتر حاكما أوحدا لليبيا، وما كان لدول لها مصالحها في ليبيا أن تغامر بالدخول في شقاق معه، بأي درجة كانت.
بعد صد العدوان تغيرت المواقف قليلا، وحدث تواصل، واستقبل ماكرون الظهير القوي لحفتر وفدا من حكومة الوفاق برئاسة السراج، فيه وزيرا الخارجية والداخلية، وفتحت لندن ذراعيها لكل مسؤول ليبي يأتي من طرفه، ولحقتها روسيا التي مضت في صفقتها الخاصة بها بعيدا عن أوروبا.
تطور الموقف وبسطت حكومة الوفاق سيطرتها على “غريان” القاعدة الرئيسية لحفتر في الغرب الليبي، وامتلكت زمام المبادرة على الأرض، ووصلت إلى واشنطن. ثم باتت برلين عصا الميزان، التي تتجه الأنظار نحوها علنا، وتراقب ما يدور في محيط العاصمة طرابلس سرا وعلانية.
دخلت إسطنبول على خط الأزمة ووضعت ثقلها لنصرة ليبيا، في مواجهة الثقل الإماراتي المصري السعودي الداعم للمتمردين، واحتدمت معركة دولية على تخوم طرابلس، ثم شهد مطلع ديسمبر من العام 2019 تطورا دراماتيكيا، دفع فيه حفتر بآلاف المرتزقة من روسيا إلى السودان وتشاد إلى أرض المعركة، فيما دفعت الإمارات ومصر بسلاحها الجوي إلى سماء المعركة نفسها، فامتلك زمام المبادرة ومنى النفس بانتصار عسكري يتخطى به مسار برلين، ويقطع الطريق على إسطنبول وما يأتي من إسطنبول، أعلنها ساعة صفر -غير سابقاتها- وكانت الحصيلة صفرا كسابقاتها.
الآن مصر تعلن الطوارئ، والسيسي يستجدي موسكو وواشنطن وباريس، ولا أحد يستجيب، وأخيرا يلجأ إلى الجامعة العربية في محاولة يائسة تسبق استجداء ليبيا وحكومتها الشرعية التي تعترف بها مصر السيسي، وتحاربها!
الوضع تغير بالتأكيد، وطرابلس التي حافظت على هدوئها أمام رفض زيارة وزير خارجيتها، ستستقبل مطلع العام الجديد كل الذين رفضوها، ستستقبلهم هذه المرة بناء على طلبهم، سيهبطون في مطار معيتيقة تحت القصف، وسيمرون على مشاهد الدمار من شرفة الملاحة إلى طريق السكة.. وسيشعرون وهم يحاولون تجاوز مواقفهم السابقة، بفظاعة تفريطهم، وبنتيجة ما ضيع عليهم النفاق السياسي الذي مارسوه مع ليبيا.. مصالح مهدرة لصالح اتفاق ليبي تركي.