الرئيسيةالراي

رأي- المال مقابل الدم

* كتب/ محمد جمعة البلعزي،

ازدواجية المعايير تزداد صعوبة لتتجاوز الرقم القياسي.. لا أحد ينكر شراسة المنافسة..

أتابع منذ بدء الأحداث أقوال وأفعال أطراف اللعبة.. فخرجت بهذه الخاطرة.. قبل ثلاثة أعوام.. صرخت رئيسة المفوضية الأوروبية.. أورسولا فون دير لاين.. ضد الغزو الروسي لأوكرانيا.. مُنددةً بالهجمات على البنية التحتية المدنية باعتبارها جرائم حرب.. “إن قطع الماء والكهرباء والتدفئة عن الرجال والنساء والأطفال مع اقتراب الشتاء عملٌ إرهابيٌّ بحت.. وهذا ما يجب أن نُسميه باسمه”.. بعد عام.. سافرت “فون دير لاين” إلى تل أبيب لتأييد قصف نتنياهو للبنية التحتية المدنية وقطع الماء والكهرباء والتدفئة على سكان غزة مع اقتراب الشتاء .. مُنهكون بمعايير أخلاقية لا تشوبها شائبة.. انطلق بعض السياسيين والصحفيين في حملة إدانة.. رياضة قديمة الطراز.. حيث لا يهم سوى شق الجيوب أو تمزيق الملابس بغضب.. وخبط الصدر.. والصراخ بصوت عالٍ.. وذرف الجار دموعه أكثر من جاره.. خشية أن يُتهم بالفتور في موقفه أو العودة إلى الوراء..  يصعد صائد الإدانات إلى أعلى منابر الأخلاق.. يسلط علينا فانوسه في الظلام.. باحثاً عن تصريحات رسمية: “هل تدينون إرهاب حماس البغيض والمقيت؟” يُعمينا شعاع النور.. فنُحدّق في حيرة.. دليلٌ واضح على تعاطف المتلقي مع من يسمونهم بالإرهابيين..  حتى أنني بدأت أشعر بالشفقة على حكامنا.. وأتباعهم في الصحافة المرتشية.. حتى نتنياهو بدأ يستثير تعاطفاً معيناً.. أمرٌ فظيع أن تُبدّد ملايين الدولارات على الدعاية وتشترى كل هذه العناوين الرئيسية.. ورغم ذلك نرى شوارع ثلاثة أرباع العالم تعجّ بالتضامن مع فلسطين..  كم هو مُرهق حظر الأعلام الفلسطينية.. التي تتكاثر كالفطر.. في الملاعب الرياضية.. لا بد أنه أمرٌ مُرهق أن يلعب المتقوي دائماً نفس الورقة: “لم أدمر ذلك المستشفى!!”.. “لم أقتل ذلك الصحفي!!”.. لا بد أن تحريك الكرة بسرعة المحتال أمر مُرهق.. فهو يقاوم هذا العدد الكبير من الناس الرافضين لأن يُخدعوا .. أُعجبُ بشدة بمن ينجحون.. رغم كل الأدلة.. في الحفاظ على تناسق بين الجانبين المتقابلين.. ربما على نوع من قدم المساواة.. يُبهرني سماع من يُكررون عباراتهم المُستهلكة دون أدنى حرج.. كلماتٌ تتألق من كثرة استخدامها: “أنا لا مع هذا ولا ذاك!!”.. “لا أسود ولا أبيض!!”.. “لا سمك ولا طير!!”.. ثم يواري باب داره ليقول ما يغاير ما قال.. يتطلب الأمر خصلةً لا يملكها كل البشر للمساواة بين جميع أشكال العنف.. في الوقت الذي يسقط فيه عدد القتلى على الجانب الفلسطيني إلى أعماق الجحيم.. والقدرة على الوقوف متقاعساً أمام هذا الكم الهائل من المذابح البشرية الذي يُجسد تماماً أبشع تعريفات مصطلح “إبادة جماعية”..  هذا ما شاهدت.. فحكمت..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى