
* كتب/ د. محمود أبوزنداح ASD841984@GMAIL.COM
يواصل الكيان الصهيوني توظيف خطاب “معاداة السامية” كذريعة سياسية وإعلامية، ليس فقط للدفاع عن نفسه، بل أيضًا لتبرير سياساته العدوانية، وتوجيه الأنظار بعيدًا عن القضية الفلسطينية.
هذا الخطاب، الذي يُقدَّم للعالم على أنه دفاع عن حقوق اليهود، يتجاوز حدوده الإنسانية ليصبح أداة دعائية تُستَخدم في تشويه صورة الفلسطينيين، وفي كثير من الأحيان لتأطير الإسلام باعتباره “الخصم الجديد”.
معاداة السامية كدرع سياسي
خلال الأشهر الماضية، كثف الكيان الإسرائيلي هجومه على بريطانيا ودول أخرى، متهمًا إياها بـ”الضعف في مواجهة معاداة السامية”. لكن هذه الاتهامات ليست سوى وسيلة ضغط، تستهدف خلق صورة ذهنية بأن أي انتقاد للسياسات الإسرائيلية يُعد شكلاً من أشكال الكراهية، وهو ما يساهم في خلط الأوراق بين حقوق الإنسان من جهة، والدعاية السياسية من جهة أخرى.
الإعلام بين الانحياز والتبرير
الإعلام الغربي، في حالات كثيرة، لم يتمكن من الحفاظ على التوازن في تغطيته.
في بريطانيا، كتب أكثر من 100 موظف في مؤسسة BBC رسالة إلى الإدارة، احتجاجًا على ما وصفوه بـ”التغطية غير المتوازنة” للصراع، مشيرين إلى أن تقارير القناة أظهرت تعاطفًا أكبر مع ضحايا الاحتلال مقارنة بالفلسطينيين.
في مؤسسات أخرى، أشارت تقارير إلى أن بعض الصحف والقنوات تضع الرواية الصهيونية في صدارة التغطية، مع تغييب السياق التاريخي للاحتلال، وهو ما يعكس تكرار الأنماط نفسها منذ سنوات طويلة.
هذه الأمثلة تؤكد أن شعار “معاداة السامية” لم يعد قضية إنسانية فحسب، بل أداة ضغط سياسي تؤثر في الخط التحريري للمؤسسات الإعلامية الكبرى.
الدعاية الصهيونية: من السياسة إلى الحرب الإعلامية
لا يقتصر الأمر على الإعلام الغربي، بل يمتد إلى الداخل الإسرائيلي حيث يتم دمج الخطاب السياسي بالعسكري في آن واحد. فخلال الأسابيع الماضية، بثت إسرائيل خطاب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الأمم المتحدة إلى داخل غزة عبر مكبرات صوت على الحدود، في محاولة للتأثير على الوعي الجمعي، وإظهار أن روايتها تتجاوز حدود المنصات الدبلوماسية إلى ساحة الحرب ذاتها.
كما أن بعض القنوات الإسرائيلية، مثل”Channel 14″ ، تعرضت لانتقادات واسعة بسبب بثها لخطاب يتضمن دعوات مباشرة للعنف ضد سكان غزة، في مشهد يُظهر بوضوح كيف تتحول وسائل الإعلام من منابر إخبارية إلى أدوات تعبئة سياسية.
إن استغلال شعار “معاداة السامية” في السياق الإعلامي والسياسي يمثل انحرافًا عن مقصده الإنساني الأصلي. فبدلاً من مواجهة الكراهية أينما وُجدت، أصبح يُستخدم كغطاء لتبرير العدوان، وإسكات الأصوات الناقدة، وتقييد النقاش حول حقوق الفلسطينيين.
من هنا، تقع على عاتق الصحافة الحرة مسؤولية مضاعفة: أولاً بكشف هذا الاستخدام السياسي الملتوي، وثانيًا بإعادة التوازن إلى التغطية، حتى لا تتحول المنابر الإعلامية إلى أدوات دعائية بيد طرف واحد. فالمعركة على الوعي لا تقل أهمية عن أي معركة أخرى، ومن يكسبها يضع يده على مستقبل السردية العالمية.



