الرئيسيةالراي

رأي- العنصر الليبي… بين فطرة البساطة وفخاخ الإغراء

* كتب/ د/محمود ابوزنداح asd841984@gmail.com

حين تتأمل ملامح الشخصية الليبية، تراها مزيجًا من الطيبة والعفوية، لكنها في لحظاتٍ كثيرة تقع في أسر البريق الكاذب والمظاهر المضللة.

فبين رغبةٍ في التميز، وحاجةٍ إلى الاعتراف والقبول، يسهل على البعض أن يُخدع بابتسامةٍ مصطنعة أو بريقٍ زائل، فيفقد اتزانه أمام ما يبدو جميلاً، بينما هو في الحقيقة شركٌ منصوب بعناية.
المسؤول الذي يغيب عنه الوعي الأخلاقي، يتحول من حارسٍ على مصالح الناس إلى ضيفٍ على موائد الآخرين. وهنا تبدأ المأساة: حين تُشترى الكرامة بالوهم، وتُباع القيم مقابل لحظة انبهارٍ زائف.
في المقابل، يعمل العقل الاستخباراتي في العالم المتقدم على دراسة الإنسان قبل أن يدرسه القانون. يعرفون كيف تضعف النفوس، وكيف يُستدرج الطموح عبر المتعة. فيُستبدل المبدأ بالجمال، وتتحول المرأة المدربة إلى أداة اختراق ناعمة، تزرع حضورها في الجزر البعيدة واليخوت اللامعة، حيث يصبح اللقاء مجرد وسيلة لنهب الأسرار.
ولعل أكثر ما يثير الحزن أن بعض الأنظمة العربية لم تتعلم بعد، وأنها تظنّ أن العلاقة مع الآخر يمكن أن تُبنى على المجاملة واللهو، لا على الندية والاحترام. فحين تختلط السياسة بالذعارة الفكرية، ينتهي كل معنى للسيادة، ويصبح الوطن مسرحًا لصفقاتٍ تُعقد في الظلام وتُبرَّر بالنور.
أما ليبيا، فإن ثرواتها المجمدة في الخارج ليست سوى مرآةٍ لوضعٍ داخليٍّ مجمّدٍ بالوعي أيضًا. فالأموال لا تُستعاد بالصفقات المشبوهة ولا بالمآدب الفاخرة، بل بإرادةٍ نظيفة تُؤمن أن الشرف الوطني لا يُرهن في نوادٍ ولا يُشترى في جزرٍ بعيدة.

الدين الإبراهيمي الذي يُراد له أن يكون مظلةً لوحدةٍ كاذبة، لا يمكن أن يقوم على الفسق ولا على العبث بالإنسان. فالإيمان الحقيقي يبدأ من نقاء الضمير، لا من مؤتمراتٍ تُقام باسم السلام بينما تُدار في كواليسها تجارةُ الجسد والمال والنفوذ.
إن سقوط المسؤول ليس في لحظة توقيعٍ أو قرار، بل في لحظة انكسارٍ داخلي أمام الإغراء. حين يفقد بوصلته الأخلاقية، يصبح جسده في المنصب وروحه في الأسر.
وهنا فقط، لا تعود المشكلة في الآخر الذي يصطاد، بل في الذات التي نسيت أنها من كانت يومًا حرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى