الرئيسيةالراي

رأي- العقل يحتله الأسبق إليه.. بين التلقين والتحرر الفكري

* كتب/ عمران اشتيوي،

يقول المفكر السعودي إبراهيم البليهي: “العقل يحتله الأسبق إليه”، وهي مقولة عميقة تلخص واقع الفكر البشري وطريقة تشكله. فالإنسان يولد وعقله صفحة بيضاء، لكن سرعان ما تتشكل أفكاره وفقًا لما يتلقاه أولًا من بيئته ومجتمعه، ليصبح هذا المحتوى المبكر هو المسيطر على نظرته للعالم، بل ويحدد مدى قدرته على تقبل الأفكار الجديدة أو رفضها.

يرى البليهي أن العقل البشري لا يعمل في فراغ، بل يخضع لعملية استحواذ مبكرة من قبل المعتقدات والتقاليد والأفكار التي يتلقاها منذ الطفولة، مما يجعله مبرمجًا بشكل غير واعٍ على أنماط تفكير محددة. وهذا ما يفسر التعصب الفكري وصعوبة تغيير القناعات الراسخة، حيث يصبح من يدخل إلى الذهن أولًا هو “المحتل” الذي يصعب طرده إلا بجهد معرفي شاق.

هذه الفكرة تعكس إشكالية التلقين في المجتمعات التي تعتمد على التكرار والتقليد دون إتاحة المجال للنقد والتساؤل. فالطفل الذي ينشأ في بيئة تفرض عليه قوالب فكرية جاهزة، سينظر إلى العالم من خلال هذه القوالب، وقد يجد صعوبة في تقبّل أي رؤية مختلفة، إلا إذا تعرض لصدمة معرفية أو خاض تجربة تجعله يعيد النظر في مسلماته.

لكن، هل يمكن تحرير العقل من هذا الاحتلال المبكر؟ يعتقد البليهي أن الحل يكمن في الوعي الذاتي والانفتاح على المعرفة المتنوعة، بحيث لا يبقى العقل حبيس الأفكار التي غرست فيه أولًا. إن كسر احتكار الفكر الأول يتطلب شجاعة فكرية، ونقدًا مستمرًا للمسلَّمات، ورغبة في البحث عن الحقيقة خارج الإطار الذي رسمته البيئة المبكرة.

في النهاية، تطرح مقولة البليهي تحديًا كبيرًا: هل نحن أحرار في تفكيرنا، أم أن عقولنا ما زالت محتلة بما استوطنها أولًا؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى