الرئيسيةالراي

رأي- العبودية المختارة.. لماذا يقبل الناس الطغيان؟

* كتب/ عمران شتيوي

في كتابه “تأملات في العبودية المختارة”، يطرح الفيلسوف الفرنسي إتيان دو لابويسي (1530-1563)  تساؤلًا جوهريًا: لماذا يرضى الناس بالخضوع للحكام المستبدين، رغم أنهم قادرون على التحرر؟ ولماذا يستمر الطغاة في حكمهم، ليس بالقوة وحدها، بل برضا المحكومين أنفسهم وبإرادتهم وإذعانهم؟

يرى لابويسي أن الطغيان لا يقوم فقط على القهر، بل على موافقة الشعوب الضمنية. فهم كحيوانات حديقة، إن أخرجتهم من أقفاصهم لا يتأقلمون، وإن أعدتهم إليها يستأنسون. فالناس يعتادون الاستبداد حتى يصبح جزءًا من حياتهم، بل وقد يدافعون عنه دون وعي، تمامًا كما يعتاد العبد على أغلاله. وهذا ما يسميه بـ”العبودية المختارة”، حيث يصبح القمع مقبولًا لدى الضحايا أنفسهم.

يحلل الكتاب كيف يعتمد الطغاة على شبكة من المستفيدين، مثل الحاشية والمقربين، الذين يدعمون الحكم الاستبدادي لأنهم يحصلون على امتيازات منه. لكن الأخطر، بحسب لابويسي، هو أن الشعوب نفسها تسهم في استمرار الطغيان، سواء بالخوف، أو باللامبالاة، أو حتى بالتواطؤ غير المباشر من خلال تقديس الحكام وقبول الاستبداد كواقع لا يمكن تغييره.

لكن، هل هناك مخرج من هذه العبودية الطوعية؟ يجيب لابويسي بأن الحل بسيط لكنه صعب :يجب أن يدرك الناس أنهم أحرار بطبيعتهم، وأن الطاغية لا يملك قوة حقيقية، بل يستمدها فقط من إذعانهم له، فبمجرد أن يرفض الشعب الطاعة، ينهار الطغيان من تلقاء نفسه، مثل شجرة ضخمة تُقطع جذورها.

هذا الكتاب، رغم أنه كُتب في القرن السادس عشر، لا يزال يحاكي واقع الكثير من المجتمعات اليوم، حيث يطرح تساؤلًا مهمًا: هل نحن أحرار فعلًا، أم أننا اخترنا العبودية طوعًا؟

للكاتب أيضا: 

الغباء البشري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى