رأي- الصراع ذو الأوجه الكثيرة
* كتب/ محمود أبوزنداح
عندما كانت بنغازي محتلة من المقاتلين الأجانب والمتشددين وعناصر المخابرات خلال السنوات الماضية وكان القتل خارج القانون مباحا لمن سيطر وتجبر.
لم يمنع هذا الانزلاق الخطير -لعدم اطمئنان الفرد على حياته وحياة أهله- من بسط النشاط الأمريكي هناك، المصالح تعد مقارنة بالمخاطر هي الأنجح والأفضل لذلك المشروع الخفي الذي يبعد عن عاصمة القرار مئات الأميال.
لم يكن قتل وتشويه جثت الموتى إلا رسالة واضحة للمشروع الأمريكي فكانت الصدمة الأولى في نعش الديمقراطية والحريّة وحفظ حقوق الناس أمام العالم الآخر الذي لم ير في قتل الليبيين بعضهم لبعض إلا ترجمة لما كان يقوله القذافي بأن القبائل في ليبيا تتقاتل دائماً على بئر ماء أو بئر من الزفت الأسود، إنهم جهلة في هيئة قبائل تتصارع..
ولكن تبقى أعين المخابرات الغربية أقوى من كلام حاكم في الغرف المغلقة أو تصريحات رنانة تدغدغ مشاعر الراقصين على الجمر، ضرب المشروع الليبي أعطى نجاحا لصوت المنادي من واشنطن بأن ليبيا تبقى أقرب إلى أوروبا، فلن ينفع نفطها للآلات الأمريكية، وليس هناك مشروع يمكن أن ينجح في المدى القريب إلا الصراع والقتل على إنتاج ما يقارب المليون برميل فقط، وهذه نقطة في بحر ما نحصل عليه من دول الخليج والشرق الأوسط.
بل إن ما يتم الحصول عليه من دول العالم والعرب خصوصاً دون تعب أو شقاء أفضل من سماع صداع الإخوة المتقاتلين في ليبيا. ولهذا كان بقاء السفارة الأمريكية في تونس وعدم رجوعها إلى ليبيا حتى بعد استتباب الأمن.
هذا المشروع ضرب من ماكر السياسية (الإنجليز) الذي يشاهد أن اصطفاف فرنسا وإيطاليا ودول الخليج مع تدخل خجول لأمريكا في مشهد الليبي، لم ينجح في حل العقدة الحقيقية وراء بريطانيا الدولة التي لا تغرب عنها الشمس.
عند زيارة مسؤول فرنسي إلى قطر والإمارات يكون الملف الليبي حاضراً والنقاش على كيفية تقاسم الأدوار ولكن عندما تأتي بريطانيا إلى المنطقة ترى أنها هي من رسمت الحدود وهي من أعطت وعد بلفور وهي من احتلت أمريكا، ولها دول إلى الآن تحت سيطرتها، وتعلم كل شيء عن أي دولة قد احتلتها في السابق، وعندما توجه مسؤول الاستخبارات البريطاني إلى الإمارات حتى يناقش المسؤولين هناك خرج صغار السياسة فرحين بأنهم الدولة الأهم في ملف ليبيا، ويملكون حق الخيار والاختيار فيها! ما جعل المبعوث البريطاني يضحك ويخرج من الجلسة بعبارته الخاتمة: “الإمارات تسعى لأن تكون العظمى ونسيت أنها أمام بريطانيا العظمى”!!
خيوط السياسة وتضارب المصالح جعلت من ماكر السياسية العالمية يتحرك في صمت بين طرابلس وطبرق ويغرس أنيابه في كل جسد يرى أنه طري ويطلب من مبعوثيه أن يكون العمل مخابراتياً لا دبلوماسياً، فليبيا الْيَوْمَ هي ليبيا المخابرات ولا مكان للبروتوكول والعمل الدبلوماسي مع جهلة موجودين على الساحة داخلياً وخارجيا!.
بريطانيا تسعى لخلق توازنات كبيرة تحقق مصالحها بغياب أمريكا واختفاء فرنسا وإيطاليا لأجل الصراع فيما بينهم، يكون الثعلب حقق ما يريده، وكل مايهم المبعوث المخابراتي هو الوصول إلى أي مكان يسافر إليه ويتحصل على ما يريد لدولته، وأيضا تحقيق صفقات مالية ضخمة وعقود عمل لديه، فتكون مصالح بلاده تحققت، وأيضا حقق لنفسه الأموال الطائلة في عدة شهور فقط، وهذا ماحققه السفير البريطاني ذو الشخصية الهزيلة التي كانت أقوى من الشخصيات الليبية (وإن كانت تتصرف على أنها عميلة).
لم يكتف ثعلب السياسية بإكمال أدواره بنجاح في ليبيا، باستحواذ أفراد الجالية الإنجليزية على حقوقهم المالية في الجسد الليبي، ويمكن لأي مواطن بريطاني السفر إلى ليبيا والحصول على الأموال بكل سهولة، فإذا كان طباخ مالطي يأتي إلى ليبيا يعقد لقاءات مع أعلى المسؤولين في البلاد. فإن هذا يعتبر من أبجديات العمل المخابراتي البريطاني، فقرب المسافة بين أوروبا وليبيا وفتح الحدود تجعل الدخول والخروج بأسماء مختلفة ومنظمات وهيئات دولية أكثر سهولة، والنجاح في الحصول على المال والأعمال والمعلومات وكثير من الاختراقات، وإذا كانت الأعمال تتعلق بالنساء فإن ليبيا قبل حلول المساء تسلم إدارتها للنساء وفِي الصباح لأشباه الرجال..
هذه الكوارث جعلت بريطانيا تشعر بالغبن لأنها لم تحصل على الوجبة، كمثل ضبع لم يأكل من مدة طويلة ووجد ثوراً أمامه يعاني الجراح وهو منهك في وسط الغابة!! فليس هناك إلا السطو على الأموال الليبية في بريطانيا بحجة التعويضات أو السرقات أو التفجيرات!! الأهم هو وضع اليد على الجنيه الاسترليني والدولار الخاص بليبيا داخل البنوك البريطانية، فالإشارة تأتي من طرابلس بأن حكام الْيَوْمَ مجرد سراق ومرتشين يلاحقون النساء.
تصاعد النقاش وامتد إلى أروقة البرلمان البريطاني، فكان تاريخ توقيع المحاضر والاتفاقيات وقفل باب التعويض ملزم فلا ينفع نباح الكلاب أمام القافلة القانون، ولا يمكن أن تكون شهادات من عاصر ووقع شاهداً أن ينقذ الدولة المنهارة من النهب الداخلي والخارجي، فلا سبيل أمام الدولة العظمى إلا تعيين مبعوث خاص إلى طرابلس يتفاوض على شيء مقضي وانتهى، وأرشيف الخارجية الليبية وأوراق المخابرات التي بيعت إلى دول الغرب، وجزء منها شاهد على انتهاء صفقة التعويضات الخاصة بالجيش الإيرلندي.
وهل هناك قانون إلهي أو إنساني من صنع البشر يمنع الاستقلال والحريّة وحق الدفاع للشعوب، كان على بريطانيا أن ترعى حقوق نفسها قبل أن تجري وراء لعاب أنفها!!
ولكن المارد الليبي مغدق اليدين وفاتح الرجلين، والمفاوض البريطاني سوف يأتي لطرابلس من أجل استلام إدارة الاستثمارات الليبية في أفريقيا لا غير، إنه بزنس مع الأولاد، وهل يعقل أن سفير بريطانيا يملك شركة رأس مالها واحد جنيه إسترليني يصبح رجل أعمال كبير بمجرد وضع أقدامه على الأراضي الليبية، فكان لابد من تصحيح هذا الخطأ الكبير بالعمل جميعاً في أفريقيا بالأرصدة الليبية.
(بلفور الوعود) سوف يخرج الكلام الرديء أمام رؤساء الشركات والمتحكمين في طرابلس وسبيله في الموافقة على خلع الملابس قبل الأحذية يكون مباحاً عند الغرب ولا يوجد ما يمنعه في شريعة المتقاتلين.
وإذا رفض من ادعى البطولة ونسى نفسه عندما كان جندياً في تشاد، فعندها بريطانياً ستنطق بأن ليبيا ليست واحدة فعنصر الفيدرالي قد سكت طويلاً، فالمناداة بالتقسيم حق لكل من ينادي أنه محروم من خيرات ليبيا، ولكم أن تسألوا عن تاريخ بريطانيا منذ الأزل، أنها الدولة الوحيدة التي تقسم وترسم الحدود بين كل الدول، وأيضا هي الدولة الوحيدة التي لم تفشل في تقسيم دولة أرادت أن تجزئها.. حان الوقت لمعرفة ليبيا ونعزي أنفسنا احتراما..