* كتب/ قيس خالد،
تقريبًا ولا مرة قرأت أو سمعت من سياسي أو نخبوي أو مثقف ليبي فكرته عن النجاح التقني للدولة، عن كيف نبني دولة وظيفية ناجحة، كيف نبني الشوارع والطرق والمرافق والملاعب والحدائق والفنادق والسواحل، كيف نبني نظام الاقتصاد والتعليم والصحة والحياة الرقمية…. إلخ
كل ما أسمعه من المثقفين والسياسيين والنخب الليبية هو الكلام الروحي ليس عن الدولة كجهاز وظيفي مهمتها فقط وغالبًا تحسين مستوى الحياة المادية للإنسان، بل عن علاقة هذا الإنسان بالدولة، أي أن المثقف الليبي يبشر بديانة هو الأخر ولا يبشر بدنيا، يناقش الحريات والهويات والحقوق المدنية والأديان والعلمانية وميولات الأفراد وغير ذلك من كل مايخص النفس البشرية لا مايخص الجسد البشري، وهذا بالضبط نقاش الأنبياء في رسالاتهم…
وهذا بالضبط مأزق أي مثقف يتحدث عن الدولة وعن سعادة الإنسان فيها متجاوزًا فكرة أن صنع السعادة حين يتولاها جهاز عام لأبد أن تكون فكرة عن السعادة المادية، أما ما يخص السعادة الشمولية أو غير المادية فهي فكرة تتولاها الأديان والفلسفة والشامانات والمرشدون الروحانيون، لكن لدى المثقف الليبي المهتم بالشأن العام الدولة هي الدين وهي الدنيا وهي الفلسفة وهي كل شيء، كل شيء…
أيها الناس لابد من التفريق بين الدولة كجهاز بناء وإدارة وبين علاقة الإنسان بهذا الجهاز، كما يجب التفريق بين البرتقال وبين الليمون “اللي الزوز أسمهم ليم في اللهجة الليبية”…
فهل أنت نخبوي مثقف تقني تفهم الفرق بين البرتقال والليمون؟ وتفهم كيف تتصور نموذج دولة تتحرك على قدمين في رأسك؟ أم أنت مثقف ونخبوي روحي مهتم بالعلاقات والفواكه القشرية من حيث المبدأ؟ والدولة تتحرك على أربع أرجل في رأسك؟
على فكرة وتأسيًا مع الفكرة عن بعد…
مستوى الحريات والتعبير والتمثيل الديمقراطي في دولة الصومال أعلى منه في دولة قطر، وغالباً الحياة “السياسية الروحية كما نفهمها” في الصومال أفضل من قطر…