اجتماعيالرئيسيةالراي

رأي الحوار الأسري: الثقافة الغائبة

* كتب/ عمران اشتيوي،

لا أبالغ إن قلت بأن البيوت صارت من أكثر الأماكن هدوءاَ، ففي خضم التغيرات الاجتماعية المتسارعة وتداخل وسائل التواصل الحديثة في حياتنا اليومية، أصبح الحوار الأسري من أبرز الممارسات الغائبة، رغم أهميته الكبرى في بناء أسرة متماسكة ومجتمع متوازن. فالحوار ليس مجرد تبادل كلمات بين أفراد الأسرة، بل هو جسر لفهم المشاعر، وتبادل الخبرات، وغرس القيم والأخلاق، وهو في الوقت ذاته وسيلة فعالة لتجنب الصراعات وحل المشكلات قبل أن تتفاقم.

لسوء الحظ، يشهد الواقع الأسري في كثير من البيوت غياب هذه الثقافة، إما نتيجة الانشغال بالعمل أو التكنولوجيا، أو بسبب غياب مهارات التواصل الفعّال لدى بعض الآباء والأمهات، أو حتى تجاهل أهمية الاستماع العميق للأطفال والمراهقين. فالنتيجة ليست مجرد صمت بين أفراد الأسرة، بل شعور بالعزلة، وفقدان الثقة، واحتمال نشوء توترات طويلة الأمد، قد تؤثر على توازن الفرد النفسي والاجتماعي.

نحن في أمس الحاجة لإعادة إحياء ثقافة الحوار التي تبدأ بالاعتراف بأهمية الوقت المشترك، وبممارسة الإنصات دون مقاطعة، وإتاحة الفرصة لكل فرد للتعبير عن رأيه ومشاعره. كما يجب تعزيز الحوار بالقيم الإيجابية، وتشجيع الفضول والاهتمام المتبادل بين الأجيال. فالأثر الإيجابي للحوار يتجاوز حدود الأسرة ليشكل مجتمعًا أكثر تفهمًا وتعاونًا، قادرًا على مواجهة تحديات العصر بروح متجددة.

إن ثقافة الحوار الأسري ليست ترفًا، بل هي البذرة الأولى لأسس الديمقراطية، وضرورة حياتية، تستحق منا الاهتمام والتدريب والتطبيق اليومي. فغيابها لا يترك الفراغ في الكلام فقط، بل في التفاهم، وفي القدرة على بناء علاقات متينة تقوم على الاحترام المتبادل والمودة. إن الأسرة التي تحافظ على حوارها الداخلي، هي القادرة على تقديم نموذج حضاري يحتذى به، ويشكل خط الدفاع الأول عن قيم المجتمع وثوابته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى