الرئيسيةالراي

رأي- الجبان الذي قرر أن يكون شجاعاً!

* كتب/ محمد البلعزي،                                             

كان على يقين أنه جبان.. عاش هارباً من كل شيء.. حتى ظلًه الذي يتبعه إلى كل مكان.. ولا يغادره إلا حين يلفّه الظلام.. مبعث خوفه دوماً.. عليه أن يكون شجاعاً.. مقداماً.. هكذا هي أعراف أهله وسكان عشيرته..

قالوا له أن الصحراء منبت الشجعان أخرج من قريته الصحراوية.. ليبتعد قدر الإمكان عمّن يعرفه.. لأن بابتعاده يتجنب ازدراء الفتيات الوقح له والتهكم الصامت ممن عرفوا ضعف شخصيته.. التحق بفيلق مرتزقة وهو يرى في ذاته أحد الشجعان.. وأن أحداً لن يلاحظ جُبنه..

استطاع في كل لحظة خداع رفاقه بالفيلق.. باستثناء نفسه.. تملكته غطرسة لا تليق بمحارب قديم.. كان يجهر دائماً بصوت عالٍ.. فظاظة مفتعلة.. تعاطى الخمر في الزمن الخطأ.. تفاخر في بيت دعارة.. استخدم كل ذوق مبتذل يميز ظرفاء شلل الأشرار.. لكن صيحة الحرب انطلقت.. اشتدت المواجهة.. كان القتال شرساً.. دافع عن رايته.. تقدم المرتزق الجبان يجرفه تيار رفاقه.. هاجم خندق العدو.. تلاه قتال بالأيدي.. انتهى بانتصار الأعداء.. لكنه وجد نفسه وحيدا.. فقد فرّ رفاقه الشجعان وتركوه وحيداً.. ارتعشت بندقيته بين يديه.. وقف مشلولاً قبالة ثلاثة أعداء.. نظر في أعينهم ليكتشف أنهم خَمنوا ضعفه.. لم يكن ليسمح لأحد أن يكشف سرّه.. أراد أن يصرخ من شدة خوفه كصبيّة غضّة مرتعبة.. أطلقوا عليه ثلاث رصاصات صوتيّة.. شعر أنها مرّت دون أن تؤذيه.. لم تُصبه.. لكنه من شدة الخوف سقط مغشياً عليه.. فقد وعيه..

في غيبوبته سدّد ضرباته بعقب بندقيته.. واحدة تلو الأخرى.. ضربات دقيقة.. بقوّة مطرقة حدّاد على سندانه.. قام بتطهير الخندق من الشهود.. استرد وعيه.. لم يجد أحداً.. فقد رحلوا جميعاً.. تركوه غارقاً في بوله.. فرّ بجلده مبهوتاً.. مسرعاً باتجاه بلدته.. حطّ رحيله بقريته.. فخوراً.. منتفشاً كطاووس.. متباهياً أن الجُبن ليس سوى تِنّين يمكن قتله في ساحة الوغى!

استقبلته جماهير قريته بفرح عارم.. تهاليل وزغاريد.. رافقها تفجير مفرقعات ليلة المولد.. تسمّر مرتعداً من الخوف.. استمرّ التفجير.. لكن جرعة الخوف كانت زائدة عن ذي قبل.. فسقط ميتاً.. انفجر قلبه من شدة الهلع!

قال عنه معاصروه.. عاد ليموت بطلاً فوق رمال بلدته.. فالصحراء تصنع الرجال!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى