
* كتب/ عمر السويحلي،
لطالما كان التمكين في الأرض هدفًا يسعى إليه المسلمون، خاصة في ظل التحديات السياسية والاقتصادية والثقافية التي تواجه الأمة. وقد تباينت رؤى المفكرين والعلماء حول كيفية تحقيق هذا التمكين، بين من يدعو إلى الإصلاح التدريجي عبر بناء الإنسان والمجتمع، ومن يرى أن المواجهة والصراع هما السبيل الوحيد. وفي هذا السياق، برزت شخصيات فكرية بارزة مثل مالك بن نبي، وسيد قطب، وعبد الله عزام، وعمر عبدالرحمن، ولكل منهم رؤيته الخاصة لتحقيق التمكين الإسلامي.
الرؤية الجهادية للتمكين
يرى بعض المفكرين، مثل سيد قطب، أن التمكين في الأرض لا يتحقق إلا بتحقيق العبودية الخالصة لله، وإقامة العدل وفق الشريعة الإسلامية. استند في رؤيته إلى قوله تعالى: “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ…” [النور: 55]، مؤكدًا أن التمكين مرتبط بالإيمان والعمل الصالح. ركّز قطب على مفهوم “الحاكمية”، معتبراً أن النظم التي لا تحكم بالشريعة الإسلامية يجب تغييرها، ولو بالقوة إن لزم الأمر.
أما عبد الله عزام، فقد رأى أن الجهاد هو الوسيلة الأساسية لتحقيق التمكين، وليس مجرد دفاع عن النفس، بل وسيلة لإقامة الشريعة وإزالة الأنظمة غير الإسلامية. شاركه في هذه الرؤية عمر عبدالرحمن، الذي اعتبر أن الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي “جاهلية”، وبالتالي لا يمكن تحقيق التمكين إلا بإسقاطها بالقوة. رفض المشاركة السياسية في الأنظمة القائمة، واعتبر الجهاد أداة لتحقيق الحكم الإسلامي وفرض الشريعة.
الرؤية الإصلاحية والتدريجية للتمكين
على الجانب الآخر، رأى مالك بن نبي أن التمكين لا يتحقق فقط بالقوة، بل من خلال بناء الإنسان والحضارة. ركّز على مفهوم “القابلية للحضارة، معتبرًا أن المشكلة الأساسية في الأمة الإسلامية ليست سياسية فقط، بل ثقافية واجتماعية. دعا إلى الاستثمار في العلم، والتكنولوجيا، والفكر كوسيلة لتحقيق الاستقلال والتمكين، بدلًا من التركيز على المواجهة المسلحة.
شارك راشد الغنوشي في رؤية التغيير التدريجي، مؤكدا أن التمكين الإسلامي يتحقق من خلال بناء مؤسسات سياسية قوية، وإصلاح المجتمع خطوةً بخطوة. شدد على أن الشورى والديمقراطية يمكن أن تكون أدوات لتحقيق التمكين الإسلامي ضمن الأنظمة الحديثة، بعيدًا عن العنف والمواجهة المسلحة.
التمكين عبر الاقتصاد والاستقلال المالي
يرى بعض المفكرين الإسلاميين أن التمكين الحقيقي للأمة يبدأ من الاستقلال الاقتصادي، إذ لا يمكن لأي أمة أن تستعيد مكانتها إذا كانت تعتمد على غيرها في الغذاء والصناعة والتكنولوجيا. أكد إسماعيل راجي الفاروقي على أهمية بناء اقتصاد إسلامي مستقل، بينما شدد محمد عبد الله دراز على أن الاقتصاد هو مفتاح القوة السياسية والعسكرية، وبالتالي يجب أن يكون جزءًا أساسيًا من استراتيجية التمكين.
أما يوسف ندى، فقد ركّز على التمكين عبر الاقتصاد والسياسة، معتبرًا أن القوة الاقتصادية تمنح المسلمين استقلالًا حقيقيًا، مما يسمح لهم بالتأثير على الساحة الدولية دون الحاجة إلى المواجهة المسلحة. دعا إلى استخدام القوة الناعمة، مثل الاستثمارات الاقتصادية، والعلاقات الدبلوماسية، والتأثير السياسي التدريجي، بدلاً من العنف.
الرؤى الحديثة للتمكين
تناول طارق سويدان التمكين من زاوية إدارية وتخطيطية، مؤكدًا على ضرورة إعداد أجيال قادرة على التأثير من خلال العلم، والإدارة، والتخطيط الاستراتيجي.
ما طارق رمضان، فقد ركّز على التمكين في السياق الأوروبي والعالمي، داعيًا إلى اندماج المسلمين في المجتمعات الغربية دون فقدان هويتهم. رأى أن التمكين الفكري والثقافي هو الأساس لبناء مجتمعات متعددة الثقافات دون صدام.
بدوره، تبنى الحسن ولد الددو رؤية فقهية تقليدية، قائمة على إصلاح العقيدة والتربية الإيمانية، معتبرًا أن التمكين الحقيقي يبدأ من تعزيز الوعي الديني وبناء مؤسسات شرعية قادرة على قيادة الأمة.
عند النظر إلى واقع الأمة الإسلامية اليوم، نجد أن كل رؤية من هذه الرؤى تحمل جزءًا من الحقيقة. الرؤية الجهادية أثبتت فعاليتها في بعض السياقات، لكنها أدت أيضًا إلى نزاعات طويلة دون تحقيق التمكين الفعلي. الرؤية الإصلاحية السياسية حققت نجاحات في بعض البلدان، لكنها لم تستطع تحقيق التمكين الكامل بسبب الضغوط الداخلية والخارجية. أما الرؤية الاقتصادية والحضارية، فتبدو الأكثر استدامة، حيث إن بناء الأمة على أسس علمية واقتصادية قوية هو الضامن الحقيقي لاستقلالها وتمكينها.
لذلك، قد يكون الحل الأنسب هو التكامل بين هذه الرؤى، بحيث يتم الجمع بين:
الإصلاح التدريجي في السياسة والمجتمع، لضمان الاستقرار وبناء المؤسسات القوية.
النهضة العلمية والاقتصادية، لتقوية الأمة وتعزيز استقلالها.
استخدام القوة المشروعة عند الحاجة، للدفاع عن الأمة ومقدساتها.
للكاتب أيضا: