الرئيسيةالراي

رأي- التغيير ليس سهلا لكنه سنة الحياة..

* كتب/ خالد الجربوعي،

منذ حدث التغيير السياسي في المنطقة العربية في 2011 فيما عرف بثورات الربيع العربي، الذي مازال يعيش خريفه ولم يتجاوز شتاءه ليصل إلى ربيعه الفعلي..

انطلق من تونس ليمر بمصر عائدا إلى ليبيا وصولا حتى اليمن وسوريا.. فنجح في إسقاط الأنظمة كلا بطريقته، وثمنه ونتائجه حسب كل دولة، لكنه وبكل تجرد وحقيقة فشل حتى الآن على الأقل في تحقيق مبتغاه وإنتاج أنظمة جديدة بديلة عن تلك التي أسقطها، أو بناء دول حقيقية ديمقراطية أساسها القانون والمؤسسات، والتي كانت هدفا وغاية لمن دعمه وأراد من ورائه التغيير والنجاح بكل وطنية.

هذا الحدث والتغيير ربما غير المسبوق في المنطقة العربية على الأقل في العصر الحديث، وفي العقود الأخيرة منذ بدايته، وهو يواجه النقد والرفض من عديد الأطراف، ويوصف بكل الأوصاف من خيانة وعمالة ومؤامرة ونكبة، وإسقاط للدولة الوطنية إلى آخر قائمة الأوصاف.. سواء من رفض الأمر من البداية، أو من انقلب عليه بعد ذلك، أم نتيجة ما شاهده من أحداث سلبية لم تنته حتى الآن، بل ساهمت في نشر الفوضى والانقسام في جل الدول التي مر بها، أو أعاد ما كان من حكم فردي ودكتاتوري في دول أخرى، وهذا واقع لا يمكن إنكاره أيا كان الموقف من هذا الحدث والتغيير.. أو ممن خرج من المشهد خالي الوفاض، وأبعد عنه دون أي مكاسب بعد أن كان يظن أنه سيكون من أصحاب المكافأة والكلمة بعد ما حدث.. بل حتى ممن دعمه ومازال يدعمه حتى اليوم، ويريد له الوصول إلى نهايته التي يتمنى أن لا تطول كثيرا، وتنهى كل صراع وخلاف للوصول إلى الهدف، وبناء الدول حسب ما يطلبه ويتمناه.. إلا أن كثيرا ممن ينتقدون ما حدث يفعلون ذلك، ليس خوفا على الدولة ولا على الوطن كما يدعون، بل لأنهم خسروا من وراء ما حدث وأصبحوا خارج الصورة والمشهد، ولا مكان لهم لا في كرسي ولا منصب.

المهم أن هذا التغيير يواجه موجة لا تتوقف من الانتقاد حقا وباطلا.. ليبقى السؤال هو.. هل ما حدث في 2011 هو أمر جديد في تاريخ البشرية أو حدث مستحدث لم يكن له وجود..؟؟

الجواب هو أن الأمر ليس ببدعة ولا حدث جديد لا سابق له، بل إنه أمر متكرر طيلة تاريخ الحياة البشرية التي منذ بدايتها كانت الدماء أحد أبرز مشاهدها، وكان التغيير أحد أكثر مساراتها طيلة القرون الماضية، وعلى مر الزمن، فلا يستقر وضع طويلا إلا ويأتي خلفه تغيير جديد، وإن اختلفت طرق التغيير.

فهناك ما يكون سلسا وسهلا ودون ثمن كبير، وهناك ما يكون له الثمن الغالي والزمن الطويل، وهو الأكثر حدوثا طيلة التاريخ البشري، ونذكر من ذلك ما حدث في الدولة الإسلامية بعد مقتل عثمان، وكيف حدث الصراع بين المسلمين فيما عرف لاحقا بالفتنة الكبرى، نتيجة الصراع الدموي بين من كانوا صحابة لرسول الله -صـلى الله عليه وسلم- ومقربين منه، فقتل من قتل وحدث ما حدث، ودفع الثمن كثيرا حتى تغير مسار الدولة الإسلامية ونظامها السياسي في الحكم من الخلافة الراشدة إلى الدولة القبلية الوراثية، والتي هي أيضا شاهدت الكثير من الصراعات في انتقالها من قبيلة إلى أخرى، ومن فرد إلى آخر من الأموية إلى العباسية إلى الفاطمية إلى الأيوبية إلى كل ما مر على الدولة الإسلامية من دول طيلة تاريخها حتى نهايتها وسقوطها السياسي، وتفرق الدول الإسلامية إلى دويلات أصبحت تطلب الوطنية وتتصارع حتى اليوم بين إعادة الدولة الإسلامية أو القومية أو الوطنية..

تاريخ العالم مليء بمثل هذه الأحداث، من دول انتهت ودول سطعت وتغيرت، وأنظمة سقطت وخرجت من المشهد وأخرى حلت بديلة عنها وحكمت، حتى حان موعد سقوطها ونهايتها هي الأخرى.. وهي سنة من سنن الحياة وإن اختلف التغيير والثمن.. لكن يبقى جزءا من معالم البشرية، ولا بد منه، وهو لن يتوقف أو ينتهي، فلابد في كل مراحل من المراحل أن تمر الدول والأوطان بمثل هذه المتغيرات والأحداث.. الفرق يبقى في مدى استيعاب الشعوب لهذا التغيير، والتعامل معه ليكون الثمن في أدنى حد وأقل زمن، وهنا يكمن الفرق بين تغيير وآخر وبين شعب وآخر.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى