الرئيسيةالراي

رأي- التحول الكبير في مواقف الشعوب

* كتب/ عبدالله الكبير،

المعركة في المنطقة العربية واضحة المعالم اليوم، أكثر من أي وقت مضى، تدور رحاها منذ عقود بين قطبين، قطب يقف بصلابة في وجه العدو المحتل للأراضي العربية في فلسطين ولبنان وسوريا، تقوده طليعة فتية، تبدع في المقاومة رغم شح الإمكانيات وضعف الدعم، متصدية ببسالة قل نظيرها لأشرس آلة عسكرية في المنطقة، ويقف خلفها داعما ومساندا كل أحرار وشرفاء الأمة، المؤمنين بعدالة القضية، مع تعاطف ومناصرة كل الشعوب المتحررة من الاستعمار والتمييز العنصري، وهدفهم واضح هو طرد المحتل وتحرير الأرض، ونيل الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة. استعادة فلسطين وعودة المهجرين وإقامة دولة فلسطين بكامل أركان الدولة، وليس وفق معايير وشروط عصابات الاحتلال.

القطب الآخر، يضم قطعان العدو في فلسطين المحتلة، مع دعم لا محدود من حكومات الدول الغربية واللوبي الصهيوني، ووسائل الإعلام الدولية المهيمنة على الفضاء الإعلامي، وحكومات التخاذل والتواطؤ في الدول العربية، ويتفوق هذا القطب عسكريا واقتصاديا وسياسيا ودبلوماسيا، ولكن هذا التفوق لم يمكنه من حسم المعركة في كل الجولات، لأن إرادة المقاومة صامدة لم تنكسر، رغم ضخامة أعداد الضحايا وفداحة الخسائر في كل المواجهات.

الصراع الممتد عبر عقود طويلة لا تظهر له ملامح نهاية قريبة في الأفق المنظور، فالعدو أخذ عدته مبكرا، وتغلغل في مراكز صنع القرار في الدول الغربية الكبرى، وسيطر على الصحف والتلفزيونات واسعة الانتشار، وعظم من نفوذه في الجامعات ومراكز البحث والدراسات. كل هذا النفوذ كشفته جولة الحرب الأخيرة في غزة وجنوب لبنان، ولكن هذه السيطرة شبه المطلقة بدأت تنهار بسبب انكشاف حقيقة همجية وإجرام العدو الغاصب للأرض، بفعل الإعلام الموازي الذي نقل الصورة الحقيقية لحرب الإبادة، والانتهاكات والمجازر المروعة التي ينفذها العدو، ليس ضد مقاتلين يواجهونه في الميدان، وانما ضد أطفال ونساء وشيوخ ومساجد وكنائس ومستشفيات ومدارس، وهو ما سعت وسائل الإعلام التقليدية إلى تهميشه في الصفحات الداخلية، أو تغليفه بأكاذيب روجها الاحتلال، كالزعم بأن قيادات المقاومة تتحصن في أنفاق تحت المستشفيات، أو تستخدم المساجد لتخزين السلاح والذخائر.

سقطت أقنعة الزيف والتضليل، وعرف العالم بأسره حقيقة هذا الكيان، ولم تعد ساحات المظاهرات المناهضة له في البلدان العربية فقط، بل شهدت أوروبا وأمريكا أكبر المظاهرات الداعمة للحق الفلسطيني، فعلى مدى شهور الحرب شهدت 200 مدينة أوروبية مظاهرات وفعاليات تجاوزت الثلاثمائة وستين مظاهرة وفعالية، ولم تكن الجاليات العربية والإسلامية إلا جزءا منها، أما الغالبية فهم أوربيون غاضبون من مواقف حكوماتهم الداعمة للاحتلال والإبادة الجماعية، وبات الهمج منبوذون في بلدان كانوا يعتبرون مسألة دعمها لهم تحصيل حاصل، وهذا سيدفع بالكيان المحتل إلى المزيد من العزلة الدولية، وصدرت مذكرات اعتقال ضد رئيس حكومة الاحتلال ووزير دفاعه، ويتوقع صدور المزيد ضد ضباط وجنود جيشهم، بعدما وثقوا بأنفسهم بواسطة كاميرات تلفوناتهم جرائمهم ضد الإنسانية.

هذا التحول الكبير في مواقف الشعوب التي طالما غيبت عنها الحقيقة، بفعل الإعلام التقليدي المنحاز لرواية الاحتلال، سيكون له تأثيره البالغ في الجولات القادمة، ولن تجد عصابات الاحتلال في قيادات الأجيال الجديدة من يقدم لهم الدعم بسخاء، إلا من أراد المجازفة بمستقبله السياسي، فهذا التحول سيقع تأثيره في القوانين وفي وسائل الإعلام وفي مواسم الانتخابات.

هذه إحدى انتصارات طوفان الأقصى، وهي من أقسى الهزائم التي تكبدها العدو في هذه الجولة.

للكاتب أيضا:

رأي- هل تكون ثورة سوريا عنوانا للنجاح؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى